اعتقلني ، فإذا أنا تحته ، ثم تناول سكينا في خفة ليذبحني بها ، فقلت له : هل لك إلى خير مما تريد بي؟ قال لي : وما هو؟ قلت : تعتقني فأكون مولاك ، وأضمن لك لا أدع حفظك في كل مسلم أقدر عليه ، فقال لي : ومن أنت؟ فقلت : طازاد ، فنهض عني وضربني برجله استخفافا ، ثم مال إلى النهر فغسل وجهه ، ثم لبس سلاحه وركب فرسه ثم جاز النهر إلى الموضع الذي كان فيه ، فقلت له : إنّي قد صرت مولاك ، فتبسم لي وأخبرني بموضعك ومنزلك ، فلما أخبرني من ذلك بما أردت كتبته بطرف سكيني على صفّة سرجي (١) قال : وكان طازاد رجلا أيدا يأخذ الكبشين فيعلقهما بيده حتى ينتطحا ، ثم قلت له : إن من أصحابي عدة أمامك ، فأبقهم فقال : امض لشأنك ، قال : ثم عرض له ناس من أصحابي ، فحمل عليهم ، فقتل منهم أربعة ، ثم أدركتهم فمنعت من بقي منهم من قتاله ، ثم أمرت رجلا من أصحابي أن يدخل عسكر المسلمين فيحرص على أن يسرق فرسه ويأتيني بها ، فدخل عسكرهم مستأمنا فأقام أياما لا يقدر على سرقة فرسه ، ثم عاد إليّ فقال : لم أقدر على سرقة فرسه ، وذلك أنه كان يركبها نهارا ويسرجها ليلا ، ويضع لجامها على قربوسه ، ومخلاتها في رأسها ويصف قدميه حتى يصبح ، فقال له المهدي : لبئس ما كافأته به يا طازاد ، فقال : سألتني فصدقتك ، قال : فأمر المهدي بالكتاب إلى عامل دمشق في إقدام الرجل عليه ، فقدم ، ولا علم لطازاد بشيء من أمره ، فأمر المهدي بعرض الجند ، فاعترضوا عليه ، والرجل فيهم ، فلما رآه طازاد قال : يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا بالرجل الذي وصفت لك ، فدعاه المهدي ، فلما قرب منه سأله طازاد أن يدنو منه ، فأذن له ، فقبّل رجله وركبته وأذكره بلاءه (٢) عنده ، فأراد المهدي صلته فلم يقبلها ، وصرفه إلى بلاده.
٩٢٥٩ ـ رجلان من أهل الشام
ساحا في جبل لبنان (٣).
أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد بن عبد الله ، أنا عاصم بن الحسن بن محمّد ، أنا أبو السهل محمود بن عمر بن جعفر ، نا أبو الحسن علي بن الفرج بن علي العكبري ، نا عبد الله بن محمّد بن أبي الدنيا ، حدّثني عمر بن عبد الله ، عن سليمان بن عبد الرّحمن
__________________
(١) صفة السرج : التي تضم العرقوتين والبداد من أعلاهما وأسفلهما.
(٢) بالأصل : بلاءه كان عنده.
(٣) تحرفت بالأصل إلى : كثبان.