خرج أبو معاوية الأسود إلى عابد بأذرعات قال : فأقمت عليه ثلاثة أيام لا يكلمني ، فقلت : اللهمّ وفّقه لكلامي ، : وأقبل عليّ وقال : يا أسود ، من أين قدمت؟ من الحج أو من العمرة؟ أو نفدت (١) نفقتك؟ قال : قلت : ما جئت من حج ولا عمرة ، ولا نفذت نفقتي ، قال : فما جاء بك؟ قلت : جئت لعلّي أسمع منك كلمة أنتفع بها ، قال : فقال لي : يا أسود أنت بمطر بليطا (٢) النصراني أوثق منك بالله عزوجل؟ قلت : معاذ الله ، فقال : الساعة تقر ، أخبرني لو أن مطر (٣) بليطا النصراني قال لك : اجعل غداءك وعشاءك عندي ، أكنت واثقا به؟ قلت : نعم ، قال : فالله قد ضمن لك الغداء والعشاء ، فهل ألقيت همّ ذلك عنك؟ قلت : حسبي.
٩٢٦١ ـ شيخ متعبد غلب على عقله
حكى عنه ذو النون.
أنبأنا أبو عبد الله الفراوي وغيره ، عن أبي عثمان الصابوني ، أنا أبو القاسم بن حبيب قال : سمعت أحمد بن عمر بن أبا بكر السوادي يقول : سمعت أبا يعقوب الآبنوسي يقول : حكي عن ذي النون المصري أنه قال : رأيت شيخا مجنونا بدمشق مصفارا ، بيده ركوة وعكّازة ، وقد كتب على جبته من ورائه :
حتى متى يا شيخ لا تستحي |
|
يراك مولاك مع الغافلين |
ما تستحي منه وما ترعوي |
|
غطى خطاياك عن العالمين |
مشاك بين الناس في ستره |
|
وأنت معكوف مع الفاسقين |
وعلى كمه الأيمن مكتوب :
عجبت لمن ينام وذو المعالي |
|
ينادي يا عباد أنا البذول |
وهل يجد الخلائق مثل ربي |
|
وكل فعاله حسن جميل |
وعلى كمه الأيسر مكتوب :
إن لله عبادا |
|
كشفوا فيه القناعا |
__________________
(١) غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن المختصر.
(٢) كذا رسمها بالأصل.
(٣) كذا رسمها هنا ، وانظر ما مرّ.