وهل يحصل الإنسان من كل ما به |
|
تسامحه الأيام إلّا على الذكر |
ولم أزل على أتم قلق وأعظم حسرة وأشد تلهف على ما سلبته من عظم النعمة بفراق الفتى ، لا سيما ولم أحصل منه على حقيقة علم ولا يقين خبر يؤدياني إلى الطمع في لقائه ويعقدان الأماني بترجي مشاهدته إلى أن عاد سيف الدولة إلى دمشق فما بدأت بشيء قبل المصير إلى الدير ، فوقفت بظاهره ، وانفدت ممن أحضرني الراهب ، وقال لي : ما أراك تسألني عن صديقك؟ والله ما لي فكر ينصرف عنه ، ولا أسف يتجاوز ما حرمته منه ، ولا سررت بعودي إلى هذا البلد إلّا من أجله ولذلك بذات قصدك ، فاذكر لي خبره ، فقال : أما الآن فنعم ، هذا فتى من المادرائيين جليل القدر عظيم النعمة ، كان ضمن من السلطان بمصر ضياعا بمال عظيم ، فخاس به ضمانه لصعود الخصب والسعر ، وأشرف على الخروج من نعمته ، فاستتر واشتد البحث عنه فخرج مختفيا إلى أن ورد هذا البلد بزيّ تاجر ، وكان استتاره عند بعض إخوانه ممن أخدمه ، فإني يوما عنده إذ ظهر لي وقال لصديقه : إني أريد الانتقال إلى هذا الراهب إن كان عليّ مأمونا فذكر له صديقه مذهبي وأظهرت المسرة بما رغب فيه من الأنس بي وأنا لا أعرفه غير أن صديقي أمرني بخدمته وبالجد في ذلك تأكيدا عرفت منه جلالة قدره وكبر محله وحصل في قلايتي يواصل الصوم إلى أن ورد عليه غلمانه بالبغال والآلة الحسنة ، وكتب أهله باجتماعهم على الإخشيذ وتعريفهم إياه الحال في بعده عن وطنه لضيق يده عما يطالب به والتوقيع بحطيطة المال عنه ، وبعوده إلى بلده فلما عمل على المسير قال لغلامه : سلم جميع ما بقي معك من نفقتك إلى الراهب ليصرفها في مصالح الدير إلى أن تواصل بفقده من مستقرنا ، وسار وما له حسرة غيرك ، ولا أسف إلا إليك بقطع الأوقات بذكرك وهو بمصر على أفضل حال وأجملها ما يخل بتفقدي ولا يغفل عني ، فتعجلت بعض السلوة بما عرفته من حقيقة خبره.
٩٢٨٦ ـ رجل آخر
أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل ، أنا جدي أبو محمّد ، أنشدنا أبو علي الأهوازي ، أنشدنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن نصر بن محمّد ، أنشدني بعض إخواني :
وجدت أخص إخواني عدوي |
|
إذا ما الدهر أحوجني إليه |
سلمت من العدو وما دهاني |
|
سوى من كان معتمدي عليه |