مستتر عن دين [قد ركبه] وقال لي : قد خرج لك أكثر الحديث ، فإن عذرت ، وإلا ذكرت الحال لتعرفها على صورتها ، فتبينت ما يؤثره من كتمان نفسه ، فقلت له : يا سيدي ، كل ما لا يتعرف بك نكرة ، وقد أغنت المشاهدة عن الاعتذار ، ونابت الخبرة عن الاستخبار ، وجاء الخادم ببردعة فرشها بازاء بردعته فنهضت إليها وقام يتفقد أمري بنفسه وغلب عليّ النوم إلى أن أيقظني هو السحر ، فأردت توديعه وحاذرت إزعاجه ، فخرجت ، ولقيني الخادم يريد إنباهه ، وتعريفه انصرافي ، فأقسمت عليه أن لا يفعل ، ووجدت غلامي قد بكر بالدابة كما أمرته ، فركبت منصرفا ومحدثا نفسي بالعودة إليه والتوفر على مواصلته وأخذ الحظ منه ، ومتوهما أن ما كنت فيه مناما (١) لطيبه وقرب أوله من آخره ، واعترضتني أشغال أدت إلى اللحاق بحضرة سيف الدولة فسرت على أتم حسرة بما فاتني من لقائه ومعرفة حقيقة خبره وقلت في ذلك :
ويوم كأن الدهر سامحني (٢) به |
|
فصار اسمه ما بيننا هبة الدهر |
جرت فيه أفراس الصبا بارتياحنا |
|
إلى دير مران المعظم والعمر |
بحيث هواء الغوطتين معطر ال |
|
نسيم بأنفاس الرياحين والزهر |
فمن روضة بالحسن ترفد روضة |
|
ومن نهر بالفيض يجري على نهر |
وأهدت لي الأيام فيه مودة |
|
دعتني في ستر فلبيت في ستر |
أتى من شريف الطبع أصدق رغبة (٣) |
|
تخاطبني من منطق النظم والنثر |
فكان جوابي طاعة لا مقالة |
|
ومن ذا الذي لا يستجيب إلى اليسر |
فلاقيت ملء (٤) العين نبلا وهيئة |
|
محلّى السجايا بالطلاقة والبشر |
فأحشمني بالبر حتى ظننته |
|
يريد اختداعي عن جناني ولا أدري |
ونزه عن غير الصفاء اجتماعنا |
|
فكنت وإياه كقلبين في صدر |
مضى وكأني كنت فيه مهوّما (٥) |
|
يحدث عن طيف الخيال (٦) الذي يسري |
__________________
(١) بالأصل : منام.
(٢) بالأصل : سامحنا ، والمثبت عن يتيمة الدهر.
(٣) بالأصل : أنت من شريف الطبع أصدر رغبة.
(٤) بالأصل : «مكر العين» والمثبت عن يتيمة الدهر.
(٥) بالأصل : «مهموما» والمثبت عن يتيمة الدهر ، والتهوم : النوم القليل.
(٦) بالأصل : الجبال ، والمثبت عن يتيمة الدهر.