يلجئون في ساعة العسرة ، ويتضرعون في سرهم وعلانيتهم ، هل يلجئون الى الله ، أو إلى من يعبدون من دونه؟.
وقلنا عند تفسير الآية ٤١ من هذه السورة : ان الفطرة تدرك خالقها تلقائيا ، ولكن حجاب التقليد والأهواء يمنع شعاعها عن العيان ، وعند الشدائد يتقشع هذا الحجاب ، وينطق الإنسان بفطرته النقية الصافية. ولا أحد ينجو من هذه الشدائد كائنا من كان ، حتى المعافى يخشى الغوائل ، ويخاف من سوء العاقبة إذا كان عاقلا ، قال الإمام علي (ع) : ما المبتلى الذي اشتد به البلاء بأحوج إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء.
(لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). أي انهم يخلصون لله وحده عند الشدة والخوف ، ويقطعون العهود على أنفسهم أن يوحدوا الله ويشكروه إذا أنجاهم من ظلمات البر والبحر ، فإذا انتقلوا إلى الأمن والرفاهية أشركوا وبغوا ، وقد أثبت العلم ان ضعف الشخصية والارادة يتكيف مع الظروف ، تماما كالماء يتلون بلون الإناء.
(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) فكان عليكم أن تعظموا نعمة الله وتشكروها (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) ولكنكم بعد أن أنعم عليكم بالنجاة بدلتم نعمة الله كفرا وشركا.
(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) كالصواعق والطوفان (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) كالخسوف والزلازل (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أي يخلطكم أو يجعلكم أحزابا متطاحنة لا تقوم لكم معها قائمة ، أو يجعل الواحد منكم في حرب وخصام مع نفسه يرضى مساء عما غضب عليه صباحا ، وبالعكس ، فتضطرب حاله ، ولا يستقيم له أمر (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ). أي يقتل بعضكم بعضا (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ). ان الله سبحانه يقيم للناس الحجج والدلائل الواضحة على الحق من الحس والعقل والوجدان ، ويضرب الأمثال من هذه بشتى الأساليب ، ليعرفوا الحق فيتبعوه ، والباطل فيجتنبوه ، ومن خالف قامت عليه الحجة ، واستحق العذاب.
(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ). الخطاب للنبي (ص) ، وضمير به يعود