أي ليس على المؤمنين المتقين شيء من تبعة الكافرين الذين يخوضون في آيات الله ولكن يذكّرونهم وينهونهم لعلهم يجتنبون الخوض في آياته تعالى.
أما الآية التالية ففيها أمور :
١ ـ (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) وذر الأمر موجه ظاهرا للنبي ، وواقعا له ولمن تبعه من المؤمنين ، أمرهم الله سبحانه أن يتركوا معاشرة الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ، ولم يأمرهم بإهمالهم وعدم إنذارهم ، لأن قوله تعالى : (وَذَكِّرْ بِهِ) أمر بالإنذار.
وكل من انتسب الى دين من الأديان ، ولم يحترم ويقدس جميع مبادئه وأحكامه فقد اتخذ دينه لعبا ولهوا ، فمن تكسّب بالدين ، أو وصف حكما من أحكامه بما يدعو إلى الهزء والسخرية فهو من المعنيين بقوله تعالى : (اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً). وليس من شك ان من لا يدين بدين خير ممن ينتسب الى دين يهزأ بأحكامه ومبادئه ، لأن هذا في واقعه قد اتخذ اللعب واللهو بالدين دينا له.
٢ ـ (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ). بعد أن أمر سبحانه النبي والمؤمنين أن لا يعاشروا الذين اتخذوا دينهم لعبا ، أمرهم أن يذكّروا بالقرآن أولئك الذين يخوضون في آيات الله ، ويتلاعبون بالدين كيلا يؤخذوا بما كسبت أيديهم من الجرائم والآثام في يوم لا يجدون فيه فيه ناصرا ينصرهم من دون الله ، ولا شفيعا يشفع لهم عند الله (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها). العدل هنا الفدية ، والمعنى انه كما لا يجد الكافر وليا ولا شفيعا يوم القيامة كذلك لا تقبل منه الفدية بالغة ما بلغت ، قال الرازي : إذا تصور الإنسان كيفية العقاب على هذا الوجه يكاد يرعد إذا أقدم على معاصي الله.
٣ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ). أولئك اشارة إلى الذين اتخذوا دينهم لعبا ، وأبسلوا بما كسبوا ، أي صاروا مرتهنين بأعمالهم ، أما قوله : (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ) فهو بيان للعقاب على كفرهم وعصيانهم.