العصر. قال تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ) ـ أي لموسى ـ (فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) ـ ١٤٤ الأعراف. (هُدىً وَرَحْمَةً) وصفان آخران لكتاب موسى. وبالهدى يعرف الناس الحق والخير ، وبالرحمة يحيون حياة طيبة هادئة (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) ضمير يؤمنون يعود إلى بني إسرائيل والمعنى آتينا موسى كتابا جامعا لكل ما ذكرنا من أوصاف ، كي يؤمن قومه بالله وثوابه وعقابه ، ولكنهم أصروا على العناد ، وقالوا فيما قالوا : (يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) ـ ٥٥ البقرة. وعلى فرض أن يروا الله جهرة ـ وفرض المحال ليس بمحال ـ فإنهم يقولون : ما هذا بإله ، لأنه ليس جنيها ولا دولارا.
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) هذا إشارة إلى القرآن الكريم ، وهو مبارك لأنه كثير الخير والنفع (فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) اتبعوا ما أمركم به ، واتقوا ما نهاكم عنه ، كي تشملكم رحمته دنيا وآخرة.
(أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ). الخطاب في أن تقولوا موجه لمشركي العرب ، والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل ، وبطائفتين أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى ، وضمير دراستهم يعود إلى أهل الكتاب ، والمعنى يا معشر العرب لقد أنزلنا القرآن بلسانكم ، وعلى رجل منكم وفيكم ، لئلا تعتذروا عن شرككم بأنه لم ينزل كتاب من السماء بلسانكم ، وإنما نزل على اليهود والنصارى ، ونحن كنا غافلين عن دراسة كتابهم وتعاليمه لا ندري ما فيه ، لأن لسانهم غير لساننا.
(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ). في الآية السابقة قال تعالى لمشركي العرب : أنزلنا القرآن بلسان عربي مبين لئلا تقولوا غدا :ان التوراة والإنجيل نزلا بلغة كنا عنها غافلين ، لا نعرف شيئا منها ، وفي هذه الآية قال لهم : أو تقولوا يا معشر العرب : لو نزل الكتاب علينا وبلغتنا لكنا أهدى وأسبق من اليهود والنصارى إلى الإيمان. وبالاختصار ان هذه الآية والتي قبلها أشبه بقول القائل : ان فلانا يملك ثروة كبرى ، وأنا لا أملك شيئا ، ولو ملكت لفعلت كذا وكيت. فرد الله عليهم بجواب قاطع لكل عذر : (فَقَدْ