هناك بقوله (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ). وفسرنا كلا من الزعم ودحضه.
أما هنا فقد رد عليهم سبحانه بقوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) بل (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) ـ ٢٦٨ البقرة. (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). وكل من قال من غير علم فهو مفتر كذاب ، وقد خاب من افترى.
(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) وهو العدل والاستقامة ، وقال الطبرسي : القسط اسم جامع لجميع الخيرات ، وأيا كان معنى القسط فان الأمر به يكذّب زعمهم بأن الله أمرهم بالفاحشة (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). المراد بأقيموا وجوهكم العبادة لله ، وكلمة المسجد اسم لمكان السجود وزمانه ، ولكن كثر استعمالها في البناء المعروف المختص بالعبادة ، حتى صار اسما لا يشاركه فيه سواه ، وليس المراد بكل مسجد جميع المساجد ، بل المراد مسجد من المساجد أيا كان (١) ، والمعنى ان الله يأمركم باقامة العبادة في أي مسجد اتفق ، على أن تخلصوا له في دينكم وعبادتكم (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) اليه يوم القيامة للحساب والجزاء ، وفي هذا تهديد وإنذار لمن يخالف ما أمر الله به من العدل واقامة العبادة والإخلاص.
(فَرِيقاً هَدى) وهم الذين اتخذوا الله وليا ، وامتثلوا أمره ونهيه ، ولم تخدعهم زخارف الشيطان وأباطيله (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ولهم في الآخرة عذاب عظيم ، ذلك (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) في ارتكاب الفواحش ، وتقليد الآباء ، والافتراء على الله الكذب (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) ـ ١٠٥ الكهف.
__________________
(١). للعموم معنيان : استغراقي مثل جاء كل رجال البلد ، اي لم يتخلف منهم احد ، وعموم بدلي مثل أريد رجلا من البلد أي ايّ رجل كان ، وكلمة كل وضعت للاستغراق ، وقد تستعمل للبدل كما في الآية.