فمن قائل : انه مبالغة في الردع عن جريمة القتل ، والحث على إنقاذ النفس وتخليصها من المهلكات ، كالغرق والحرق ، وما اليهما من اغاثة الملهوف. ومن قائل : انه بيان لحقيقة القاتل والمحسن ، بأن من أقدم على قتل واحد يقدم على قتل الناس جميعا ، تماما كما يقولون : «من يسرق البيضة يسرق الجمل» (١) وان من أحسن الى واحد من الناس يحسن للجميع ، ما دام الدافع له حب الخير والإحسان. وقال آخرون : انه بيان للطبيعة النوعية في الإنسان ، وانها تتمثل في البعض والكل على السواء ، لا تزيد بكثرة الأفراد ، ولا تنقص بقلتهم.
والذي نفهمه من الآية ان الفرد في نظر الإسلام هو غاية بنفسه ، لا وسيلة الى غيره ، وانه ظاهرة انسانية ، له ما لها من الحرمة والكرامة ، وان العدوان عليه عدوان على الانسانية التي تتمثل به وبالناس جميعا ، وان الإحسان اليه احسان الى الناس جميعا.
وتسأل : ان هذا تضخيم خيالي لذات الفرد ، وتضحية بالجماعة من أجله ، مع ان العكس هو الحق والعدل؟
الجواب : ليس المراد بمصلحة الفرد المصلحة التي تطغى على مصلحة الجماعة ، وتتنافى معها ، ولا المراد بالفرد الذي يحاول العيش على حساب غيره من الناس .. ان هذا لا يعد إنسانا بالمعنى الصحيح ، بل هو أعدى أعداء الانسانية في نظر الإسلام ، والى هذا يومئ قوله تعالى : (أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ). وانما المراد بالفرد الذي يستمد مصلحته من مصلحة الجماعة ، ويرى حياته بحياتها ، وكرامته بكرامتها. كما ان المراد بمصلحة الجماعة مصلحة جميع أفرادها ، لأن الجماعة ليست مجموعة أصفار ، وانما هي مجموعة أفراد .. فأية جماعة يوجد فيها ضعيف واحد يخاف على حق من حقوقه فهي ضعيفة في كيانها ، فاسدة في أوضاعها ، تماما كالجسم إذا فسد بعض أعضائه ، أو البيت إذا انهدم ركن من أركانه.
وعلى هذا تكون مصلحة الفرد والجماعة متكاملتين ، يملأ بعضهما بعضا ، ولا تنفك إحداهما عن الأخرى.
__________________
(١). رأيت هذا بالحرف في بعض الأحاديث المروية عن النبي (ص).