في هذا أكثر المتأخرين.
قال المحقق الشيخ علي ـ رحمة الله عليه ـ : وهو الذي يقتضيه النظر الصحيح والوقوف مع القوانين الأصولية ، لأن الأخبار الدالة على وجوب التربص مدة ليصح الطلاق لا يجوز إجراؤها على ظاهرها من الاختلاف والتنافي ، ولا إطراح بعضها ، فلم يبق إلا الجمع بينها بالحمل على أن المراد مراعاة زمان يعلم الزوج الغائب حصول الحيض بعد طهر الجماع ، والانتقال عنه إلى الطهر ، وأن الاختلاف ينزل على اختلاف عادة النساء في حصول الحيض باعتبار شهر أو ثلاثة أشهر أو خمسة أو ستة ، فقد اشتركت أخبار التربص في أن الانتقال من طهر إلى طهر آخر شرط في صحة الطلاق من الغائب ولو ظنا مستفادا من عادة المرأة إن كانت معلومة ، وإلا فمن غالب عادات النساء. ودلت رواية أبي بصير (١) على أنه لو طلقها وعلم يوم طلقها أنها كانت طامثا يجوز الطلاق. ولا ريب أن ما اشتركت فيه هذه الأخبار مخصوص لعموم الخبرين الدالين على جواز تطليق زوجة الغائب على كل حال ، انتهى كلامه.
أقول : لا ريب أن تلك الأخبار المطلقة التي دلت على مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه من أولئك الفضلاء دالة على جواز الطلاق على كل حال ، والأخبار الدالة على التربص بالنظر إلى القاعدة الأصولية يجب أن تكون مخصصة لها ، لكن الإشكال في هذه الأخبار الدالة على التربص من حيث اختلافها ، فإن التخصيص بها يتوقف على جمعها على وجه يرفع الاختلاف بينها. والجمع بينها بما ذكروه من اختلاف عادات النساء بناء على الغائب بعيد جدا ، فإنه وإن قرب في رواية الشهر إلا أنه بعيد في رواية الثلاثة الأشهر ، وأبعد منه في رواية الخمسة والستة الأشهر ، فإن الغالب في هذا المقدار ممنوعة أشد المنع ، بل هو مخالف للغالب ، على أن تلك الأخبار ليس فيها سؤال عن واقعة مخصوصة حتى تنزيلها على كون المرأة
__________________
(١) التهذيب ج ٨ ص ٦٢ ح ١٢٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٠٨ ب ٢٦ ح ٦.