قال شيخنا في المسالك بعد ذكر ذلك : هذا باب واسع في جميع أبواب الفقه ، والغرض منه التوصل إلى تحصيل أسباب تترتب عليها أحكام شرعية ، وتلك الأسباب قد تكون محللة وقد تكون محرمة ، والغرض من تعليم الفقيه الأسباب المباحة ، فأما المحرمة فيذكرونها بالفرض ليعلم حكمها على تقدير وقوعها ، انتهى.
أقول : لا ريب أن جملة من الحيل المشار إليها قد دلت عليها الأخبار بالخصوص ، وجملة منها وإن لم تدل عليه النصوص إلا أنها موافقة لمقتضى القواعد المتفق عليها بينهم.
(ومنها) ما هو باطل ، وإن توهم كونه حيلة شرعية موجبة لتحليل ما أريد منها كما سيظهر لك إن شاء الله ، إلا أن العمل على ما لم يوجد فيه نص بالخصوص على الإطلاق لا يخلو من إشكال لما يظهر مما حكاه الله تعالى في كتابه عن اليهود في قضية الاصطياد الذي نهوا عنه يوم السبت ، وأنه عزوجل مسخهم قردة بما عملوه من الحيلة في ذلك.
ففي تفسير الإمام العسكري عليهالسلام (١) عند قوله تعالى في سورة البقرة «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» (٢) قال : «قال علي بن الحسين عليهالسلام : كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر فنهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت ، فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها لأنفسهم ما حرم الله ، فخذوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق ، ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع ، فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان لها فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران ، فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن من صائدها فرامت الرجوع فلم تقدر ، وبقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها
__________________
(١) تفسير الامام الحسن العسكري (ع) ص ١٣٦ مع اختلاف يسير.
(٢) سورة البقرة ـ آية ٦٥.