قال في المسالك (١) : ولعلهم أرادوا الغالب ، أو أنه لا يقوى ولا يشتد بنيته إلا به ، ثم إنه على القول بالوجوب هل تستحق الأم اجرة عليه من الأب أو من الولد إن كان له مال أم لا؟ قولان : والأول مذهب الأكثر مستندين إلى إطلاق قوله تعالى «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» وبالثاني قطع المقداد في كنز العرفان محتجا بأنه واجب ، ولا يجوز أخذ الأجرة على الواجب.
قال في المسالك (٢) : وكليته ممنوعة ، فإن مالك الطعام يلزمه بذله للمضطر ، ولكن بالعوض باعتراف هذا القائل ، وإن كان فيه خلاف أيضا ، انتهى.
وتوضيحه أن الممتنع هو أخذ الأجرة على نفس العمل الذي يجب عليه القيام به ، مثل تغسيل الموتى ودفنهم ونحو ذلك لا أخذ عوض ما يجب بذله كدفع المال إلى المضطر ، واللبأ من قبيل الثاني لا الأول.
وأنت خبير بأن قضية الوجوب سقوط الأجرة إلا أن يقوم دليل على خلاف ذلك ، والآية المذكورة ليست من محل البحث في شيء ، فإن المدعى وجوب الإرضاع عليها ، والآية المذكورة قد عرفت أن موردها المطلقة البائنة وعدم الوجوب عليها ظاهر ، وما ذكروه من بذل الطعام للمضطر إن وجد ما يدل على ما ادعوه من الأخبار فلا إشكال ، وإلا فللمناقشة فيما ذكروه مجال ، ولا يحضرني الآن شيء من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة.
الخامس : لا خلاف ولا إشكال في جواز استئجار الأب الأم للرضاع إذا كانت مطلقة بائنة ، لأن منافعها مملوكة لها ولا تعلق للأب بها ، إنما الخلاف فيما لو كانت زوجة ، فالمشهور بين الأصحاب الجواز مستندين إلى عموم قوله «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ».
وفيه ما عرفت من أن مورد هذه الآية إنما هي المطلقة ، فهي دليل للأول من هذين الحكمين لا للثاني. نعم يدل على ذلك أصالة الجواز لأنك قد عرفت
__________________
(١ و ٢) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٨٠.