قلنا : لم يكن ذلك التقدير بطريق الوجوب ؛ بل غايته أنه كان / ذلك على وفق ما اقتضته المصلحة ، فى ذلك الوقت ، ولعله رأى المصلحة بعد ذلك فى الزيادة ، مع تقرير ما كان واجبا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ وهو من أهل الاجتهاد فيه (١).
قولهم : إنه أبدع التراويح ، لا نسلم ، فإنه قد روى : «أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ صلاها ليالى ، وصلوها معه ، ثم تأخر ، وصلاها فى بيته باقى الشهر حتى لا يظن أنها واجبة ، ولم يثبت نسخها» ؛ فعمر فعل ما كان مسنونا ، لا أنه فعل ما لم يكن (٢).
قولهم : إنه خالف أمر الرسول فى تولية معاوية ، لا نسلم ما ذكروه عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى حق معاوية ، فلم يثبت ، ولم يصح. ولا سيّما وهو كان كاتب الوحى ، وخال المؤمنين.
وبتقدير الصحة ؛ فلا نسلم أن عمر خالف أمر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ، فإنه قال : «إذا رأيتم معاوية على منبرى هذا ـ بطريق التعيين ـ فاقتلوه» (٣) ، وما لزم من توليته على إقليم الشام ، المنع من قتله بتقدير أن يرى على منبر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ، حتى يكون مخالفا لأمره.
قولهم : إنه منع أهل البيت من الخمس (٤).
قلنا : لعله / / اطلع فى اجتهاده على معارض اقتضى ذلك ، وعارض به نص الكتاب.
وبالجملة : فمخالفة المجتهد فى الأمور الظنية لما هو ظاهر لغيره ، لا يوجب القدح فيه ، وإلا لزم ذلك فى كل واحد من المجتهدين المختلفين ؛ وهو ممتنع.
قولهم : إنه كان جاهلا بالقرآن ؛ لا نسلم ذلك (٥).
وأما قصته فى حالة موت النبي ـ عليهالسلام ـ مع أبى بكر ؛ فذلك ممّا لا يدل على جهله بالقرآن ؛ فإن تلك الحالة ، كانت حالة تشويش البال ، واضطراب الأحوال ، والذهول عن
__________________
(١) قارن رد الآمدي برد صاحب المغنى ٢٠ / ٢٨ من القسم الثانى.
(٢) عمر ـ رضي الله عنه ـ فعل ما كان مسنونا وما فعله رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقد ورد فى صحيح مسلم ٢ / ١٧٧ «عن عائشة أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ صلى فى المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة والرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلما أصبح قال : قد رأيت الّذي صنعتم ، فلم يمنعنى من الخروج إليكم إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم ، وذلك فى رمضان.
(٣) هذا الحديث موضوع ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات ٢ / ٢٥ وما بعدها.
/ / أول ل ١٧٧ / ب.
(٤) قارن هذا الطعن والرد عليه بما ذكره صاحب المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ١٥ وما بعدها. من القسم الثانى.
(٥) قارن هذا الرد بما ورد فى منهاج السنة لابن تيمية ٤ / ٢٢٢ ، ٢٢٣.