الجليات ، وخفاء الواضحات ، بسبب موت النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ، حتى أنه تنقل أن بعض الصحابة فى تلك الحالة غمى ، وبعضهم خرس ، وبعضهم جنّ ، وبعضهم هام على وجهه ، وبعضهم صار مقعدا لا يقدر على القيام ، فما ظنك بالغفلة عمّا قيل من الآيات.
وأما قصته مع السائل عن الآيات المذكورة : فإنما فعل به ما فعل ، لا لأنه كان جاهلا بمعانيها ، وكيف يظن به ذلك ، وقد كان من بلغاء العرب ، وفصحاء أهل الأدب ، ومن شاهد التنزيل ، وعرف التأويل ، وشواهد ذلك فى أقواله ، والمسائل المأثورة عنه كثيرة غير قليلة ، مع أن عادة العقلاء غير جارية بأذى من سأل عمّا لا يعرف المسئول جوابه ؛ بل إنما فعل به ذلك ؛ لأنه ظهر له منه أنه قاصد الإزراء والتنقص ، والامتحان دون قصد الفائدة (١).
والإمام له تأديب من هو من هذا القبيل. ثم لو كان سؤاله عمّا لم يعرف عمر جوابه موجبا لضربه ، وأذاه ، أو أن الموجب لذلك سد باب / السؤال عليه ؛ لكان فعل ذلك بالمرأة المعترضة عليه فى منعه من المغالاة فى مهور النساء ، وإفحامه بين الناس حتى قال : «كل الناس أفقه من عمر حتى النساء» أولى (٢).
قولهم : إنه كان جاهلا بالأحكام الشرعية ، إن أرادوا به أنه لم يكن قادرا على معرفتها بالاجتهاد ؛ فممنوع.
وإن أرادوا به أنها لم تكن عنده حاضرة ، مفصلة ؛ فمسلم ؛ لكن ذلك مما لا يوجب القدح فيه ؛ إذ هو مشارك لجميع أئمة الاجتهاد فى ذلك.
وما ذكروه من قصة [اليهودى] (٣) : فلا نسلم صحة قوله : «اقتل وأنا معك».
وأما أنه لم يقم على المقر حدّ قذف المرأة فلأنها لم تطالب به والمطالبة شرط فيه.
قولهم : إنه أهدر دم اليهودى بمجرد قول المقرّ ، لا نسلم ذلك ؛ بل غايته أنه لم يوجب عليه القصاص ؛ لأنه ما كان يرى قتل المسلم بالذمى.
وأما أنه لم يوجب عليه الدّية ؛ لأن شرط إلزامه بها مطالبة ولى القتيل ، ولم يطالب بها.
وأما أنه لم يوجب عليه كفارة ، فلعله كان لا يرى إيجاب الكفارة فى القتل العمد.
__________________
(١) قارن هذا الرد بما ورد فى الإتقان ٢ / ٥.
(٢) قارن بما ذكر القاضى عبد الجبار فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ـ الجزء العشرون ـ القسم الثانى ص ١٣.
(٣) ساقط من (أ).