وبالا وهلاكا وفسادا. مع ما يدخل من النقص في التوحيد والرسالة ، فمن قبل ذلك قلنا : لا يجوز إلا أن تكون في مكان معروف.
فإن قال قائل : إنما جعل الله الإمامة في قريش وهي معروفة ، فما دليلكم في الموضع الذي تدّعون؟
قيل لهم : لأنكم إذا ادعيتم أنها في قريش دون غيرها كانت الحجة لنا عليكم ، ولقرابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا غيرها. فإن كان ما قلتم حقا فنحن أولى بما ادعينا من القرابة ؛ لأنهم أقرب برسول الله من موضعكم الذي ادعيتم وأبين (١) فضلا.
واعلم أنه لا يجوز أن يقوم مقام الرسول صلىاللهعليهوآله من إذا قضى بقضية أو أحدث حدثا مما لم يأت عن الله ولم يحكم به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وراجعه فيه من هو أعلم منه بالله رجع عن حكمه واعتذر ، وكان قوله : (عليّ شيطان يعتريني ، فإذا رأيتم مني ذلك فاجتنبوني لا أبدر في أشعاركم وأبشاركم) (٢) فهذا لا يصلح للإمامة ، ولا يجلس في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولا من كان إذا حكم بحكم فقيل له أصبت يا أمير المؤمنين يعلوه بالدرة ، ويقول : (لا تزكونا في وجوهنا فو الله ما أدري أصبت أم أخطأت ، وما هو إلا رأي رأيته من نفسي)(٣). فيخبرهم أنه لا يدري أصاب أم أخطأ ، (٤) وهم يشهدون له أن (السكينة تنطق على لسانه) (٥). يخبرون عنه بخلاف ما يخبر عن نفسه ، ويجعلون له من التوفيق ما يجعلون
__________________
(١) في (ب) : وأقرب.
(٢) هذا كلام أبي بكر من خطبة له بعد البيعة قال فيها : اعلموا أيها الناس أني لم أجعل لهذا المكان أن أكون خيركم ، ولوددت أن بعضكم كفانيه ، ولئن أخذتموني بما كان الله يقيم به رسوله من الوحي ما كان عندي ذلك ، وما أنا إلا كأحدكم ، فإذا رأيتموني قد استقمت فاتبعوني ، وإن زغت فقوموني ، واعلموا أن لي شيطانا يعتريني أحيانا ، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم. الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ١٦.
(٣) هذا قول عمر بن الخطاب.
(٤) أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه قال : إن عمر لا يعلم أنه أصاب الحق لكنه لا يألو جهدا. المصنف رقم (١٩٠٤٥) ، ونحوه أيضا.
(٥) روى ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة قال : وأخرج ابن منيع في مسنده عن علي قال : كنا ـ