وغيره ليس بحده ، والسيد في كثير أموره فليس كعبده ، وكذلك المرأة في كثير أمورها فليست كالرجل ، ولو كانت كهو لما كان له عليها من الفضل ، ما ذكر الله سبحانه في قوله : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة : ٢٢٨] ، وكفى بهذا في اختلافهما بيانا وحجة.
فإن قتل القاتل عبدا أو امرأة عمدا ، وكان بقتله إياهما (١) في أرض الله مفسدا ، قتل إذا صح فساده عند الإمام صاغرا ، ولم يحرز قاتله من القتل أن يكون حرا (٢) ، لقول الله سبحانه : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢] ، وفي الناس الحر والعبد جميعا معا ، فأحل الله من قتل الأنفس بالفساد في أرضه ، ما أحل من قتلها بترك التوحيد ورفضه.
فأما من قتل عبدا أو امرأة ، مغاضبا أو فلتة أو حصره (٣) ، فليس كمن قتلهما مفسدا ، وكان بفساده في أرض الله متمردا.
وأما ما سألت عنه من قول الله سبحانه : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ١٧٨] ، فهو العفو من الطالب عن الدم إلى الدية ، إذا كانت نفس الطالب والمطلوب بذلك راضية ، وهذا إذا تراضيا (٤) به ، فما لا يقول أبو حنيفة وأصحابه بغيره (٥) ، فجعل الله لرأفته ورحمته بخلقه العفو عفوين عن الدية والدم جميعا ، وعفوا عن الدم إلى الدية رأفة منه وتوسيعا ، وأمر الله
__________________
(١) في المخطوط : إياهما قتل في أرض الله ....
(٢) يعني أن الحر يقتل بالعبد والمرأة ، إذا كان ظالما مفسدا ، ولا يمنع من القصاص كونه حرا.
(٣) هكذا في المخطوط ، ولعل في العبارة سقطا أو تصحيفا.
(٤) في المخطوط : تراضى. ولعلها مصحفة.
(٥) ذكر الإمام رأي الإمام أبي حنيفة ، لأن في المسألة خلافا بين العلماء ، فمنهم من قال : إن وليّ الدم بالخيار إن شاء القصاص وإن شاء الدية ابتداء ، وهذا قول طائفة منهم القاسمية وأحمد والشافعي ، كما أفاد ذلك في البحر وهو خلاف ما هنا ، فكلام الإمام القاسم صريح هنا في اشتراط التراضي ، وطائفة قالت : بأنه لا اختيار وإنما مع التراضي وهو قول أبي حنيفة ، انظر البدائع للكاساني ١٠ / ٤٦٣٣. وأصحابه وزيد بن علي ومالك وغيرهم ، أفاد ذلك في البحر الزخار للإمام المهدي.