الألباب ، والأم من علم كل شيء ، فهو البيّن من علمه غير الخفي ، وأم أمهات العلوم كلها ، فأنور ما يكون من العلم عند أهلها ، وكذلك الكتاب فمحكماته ، من غير شك أمهاته ، التي لا يشتبه على عالمهن منهن علم ، ولا يدخله في الإحاطة بهن شك ولا وهم ، ولا يحتاج في البيان عنهن إلى إكثار ولا تطويل ، بل تنزيل الله فيهن كافي من التأويل ، كقوله سبحانه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١١) [الشورى : ١١] ، (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٠٣) [الأنعام : ١٠٣] ، وقوله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٤) [يونس : ٤٤].
فهذا وأشباهه من كتاب الله فهو المحكم ، الذي ليس فيه ـ بمنّ الله ـ شبهة ولا وهم. وأما متشابه الآيات من الكتاب ، فلا يكون أبدا إلا متشابها كما جعله رب الأرباب ، فليس يحيط غيره بعلمه ولم يكلف أحدا العلم به ، وإنما كلف العلم بأنه من عند ربه ، كما قال سبحانه : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٧) [آل عمران : ٧] ، فجعل الإيمان به والعلم بأنه من عنده فريضة عليهم في متشابه الكتاب ، ولو كان عند غيره بالاستخراج معلوما ، لما كان متشابها في نفسه ولا مكتوما ، وأزال عنه اسم الإخفاء والتشابه ، كما يوجد له من المخارج في العلم والتوجه ، ولما قال الله : (مُتَشابِهاً) [الزمر : ٢٣] ، جملة وإرسالا ، حتى يقال متشابها عند من كان به جاهلا ، وفي تشابه كتاب الله وإخفائه ، وما أراد بذلك سبحانه من امتحان كل محجوج وابتلائه ، أعلم العلم وأحكم الحكم عند أهل العلم والحكمة ، وأدل الدلائل على الله في الأشياء كلها من القدرة والعظمة.
٩٠ ـ وسألت : عن قول الله سبحانه : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦] ، وقلت هل هنالك إلا مسود الوجه أو مبيضه؟
وهم ـ رحمك الله ـ وإن كانوا كذلك ، وعلى ما ذكر الله سبحانه من ذلك ، فهم فرق أصناف ، بينهم في أحوالهم اختلاف فمنهم مؤمن وفاسق ومشرك ومنافق ، وقاتل وقاذف وسارق ، وتنزيل الآية فيما سألت خاص غير عام ، لأنه ليس كل من يسود وجهه يقال له : كفرت بعد الإيمان ، لأن في النار من فرق الكفار من لم يكن