مؤمنا قط في دنياه ، ولم يزل على كفره فيها وعماه ، فكيف يقول لأولئك : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) [آل عمران : ١٠٦]؟! أليس هذا عندك من أزور الزور وأبهت البهتان؟! وابيضاض الوجوه هنالك فإنما هو سرورها وبهجتها ، واسوداد الوجوه إنما هو حزنها وحسرتها. والقول في هذا يومئذ من القائلين ، فإنما هو لمن كفر بعد إيمانه برب العالمين.
٩١ ـ وسألت : عن قوله : (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤]؟
والكتاب ـ رحمك الله ـ فقد يكون من الله ، علم ويكون إيجابا من الله ، فكتب في هذه الآية عليهم ، إنما هو علم منهم وفيهم ، وليس معنى كتب يكون معنى فرض ووجد فيما ذكر من هذه الآية ومثلها ، ولكنه خبر عن إحاطة علمه بالأشياء كلها ، وقد قال غيرنا من إخوانك (١) ، بغير ما قلنا به في الآية من جوابك ، فأما [ما] يقول به من ليس يعلم ، فليس يسع مؤمنا به جواب ولا تكلّم.
٩٢ ـ وسألت : عمن (يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) [البقرة : ٢٧٥] وما المس؟ فالمس هو اللمم ، واللمم فهو الجنون (٢).
وأما ما سألت عنه من التخبط ، فما يعرف من خبط المتخبط ، وهو الغشيان من خارج لا من داخل ، وكما نعلم من مقاتلة المقابل (٣) ، وإنما مثّل الله أكلة الربا إذ (٤) مثّلوا رباهم ، وما حرم الله عليهم من الربا ونهاهم ، بالبيع الذي فيه إرباء ، وإنما هو أخذ بالتراضي وإعطاء ، فقالوا : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥] ، شبهوا ما لم يجعل الله متشابها ، فشبهوا الحرام بالحلال ، والهدى فيه بالضلال ، فمثّلهم الله في ذلك لما هم عليه من الجهل ، بمن يعرفون أنه عندهم أنقص أهل النقص من أهل الجنون والخبل.
__________________
(١) الكلمة غير واضحة في المخطوط ، ولعلها كما أثبت أو أنها : أحزابك. ولعل السائل من المخالفين للإمام في المذهب.
(٢) في المخطوط : الجبر. ولعلها مصحفة ، والصواب ما أثبت. كما تفيده معاجم اللغة.
(٣) في المخطوط : الكلمتان مهملتان ، ولعلهما كما أثبت ، أو أنهما كمقاتلة المقاتل.
(٤) في المخطوط : إذا. ولعلها كما أثبت والله أعلم.