المفهوم على عموم التعليل الدور (١) بتقريب : ان ثبوت المفهوم متوقف على عدم انعقاد عموم العلة لكونها متصلة ، فإذا خصصنا العموم بالمفهوم يلزم توقف الشيء على نفسه. ووجه فساده ان ثبوت المفهوم غير متوقف على رفع اليد عن عموم التعليل وتخصيصه ، وانما يتقدم عليه بالحكومة.
الثالث : من وجوه الإشكال على الاستدلال بالآية ما أورده بعض الأعاظم ، وحاصله (٢) : ان التبين في الآية ان أريد به خصوص العلم الوجداني فلا يمكن استفادة المفهوم ، لأن حجية العلم ذاتية ، ووجوب العمل به عقلي ، فالامر به لا محالة يكون إرشادا ، ولا يستفاد المفهوم من الأمر الإرشادي. وان أريد به مجرد الوثوق ، فيقع التنافي بين المفهوم والمنطوق ، فان المنطوق يوجب العمل بالموثق وان كان المخبر فاسقا ، والمفهوم يقتضي حجية خبر العادل وان لم يكن موثقا ، كما إذا أعرض الأصحاب عنه ، والمفروض ان العلماء بين من اعتبر العدالة في حجية الخبر ولم يكتف بمجرد الوثوق ، وبين من اعتبر الوثوق ولم يعمل بخبر العادل الّذي أعرض عنه الأصحاب ، فاعتبار أحد الأمرين إحداث قول ثالث.
وفيه : أولا : انه لا تنافي بين المنطوق والمفهوم ، فان المنطوق كما ذكر يفيد حجية خبر الثقة مطلقا ، والمفهوم يقتضى حجية خبر العادل كذلك ، إلّا ان إطلاقه يقيد بما إذا لم يكن الخبر معرضا عنه ، وهذا لا يستلزم التهافت بين المفهوم والمنطوق أصلا. ومن ذلك يظهر عدم استلزام القول بدلالة الآية على حجية خبر العادل احداث قول ثالث.
وثانيا : ان ما ذكره من كون الأمر بالتبين إرشاديا على تقدير كون التبين بمعنى العلم لاستقلال العقل بحجيته غير تام ، فان ما يظهر من الآية انما هو وجوب تحصيل
__________________
(١) نهاية الدراية : ٣ ـ ٢١٢.
(٢) نهاية الأفكار : ٣ ـ ١٠٨.