لا فرق في حكم العقل بلزوم الاحتياط في موارده بين المجتهد والمقلد ، فكلاهما محكومان بذلك ، وهكذا في حكمه بالتخيير ، والإشكال انما هو فيما إذا كان الشك موردا للبراءة فانّ حديث الرفع وقبح العقاب بلا بيان إنما يجريان عند الشك في الحكم الفعلي بعد الفحص عن الدليل ، والمفروض انّ المجتهد ليس شاكا في الحكم الفعلي فلا بدّ وأن يكون إجراء البراءة بلحاظ حال المقلد ، فانّ المقلد لهذا المجتهد الشاك لا محالة في مقام العمل والالتفات إلى وظيفته الفعلية يبقى شاكا في حكمه الفعلي ، والمفروض أنّ هذا المجتهد قد فحص ولم يظفر على دليل فيرشد مقلده إلى ذلك ويعرّفه مورد البراءة ويفتي له بمقتضاها ، مثلا إذا التفت المجتهد إلى حكم الحائض وانه هل يجوز لها الاجتياز في المسجد أم لا ، فلا معنى لإجراء البراءة عن حرمته بلحاظ شكه ، ولكن حيث انّ هذه المرأة تقلده فتتحير في ظرف العمل وبعد ما فحص المجتهد عن البيان ولم يظفر به تكون المرأة بنظره موردا لجريان البراءة فيفتي بها في حقها.
والحاصل مما ذكرناه انّ حق التقسيم أن يكون هكذا بأن يقال : المكلف إذا التفت إلى حكم نفسه ، فاما أن يحصل له القطع فهو منجز له ، واما أن يحصل له طريق معتبر فكذلك ، وإلّا فيرجع إلى الأصول العملية ، وإذا التفت إلى حكم كلي فان قطع بالحكم فأثره جواز الإفتاء به ، وان حصل عنده طريق معتبر فكذلك ، وإلّا فينتهي إلى الأصول العملية ، فان كان الشك موردا للاستصحاب وكان من قبيل الأول له أن يجري الاستصحاب بلحاظ يقينه وشكه ، وان كان من قبيل الثاني فله إجراء الاستصحاب بلحاظ حال المقلد كما له إجرائه بلحاظ حال نفسه ، وهكذا إذا كان موردا للاحتياط أو التخيير ، وأما ان كان موردا للبراءة فلا مناص من إجرائها بلحاظ حال المقلد فقط بعد ما يراه موردا لها ، وهكذا كله واضح.