النهي ، فكأن المولى يبعث نحو ما تعلق به القطع ويزجر عما تعلق به القطع سواء كان قطعه موافقا للواقع أو مخالفا له ، ونسبة عصيان التكليف إلى من كان قطعه موافقا للواقع أو كان مخالفا تكون على حد سواء ، فانّ مطابقة القطع ومخالفته تكونان خارجتين عن تحت اختيار المكلف ، ولا معنى لإناطة العقاب على الخارج عن الاختيار.
وبالجملة حاصل المقدمة الأولى هو أنّ التكليف لا بد وأن يتعلق بالحصة الاختيارية من حيث الموضوع والمتعلق ، فما هو في حيز التكليف في قولك «لا تشرب الخمر» مثلا إنما هو شرب ما فرض خمريته لا ما هو الخمر واقعا اختيارا ، وهكذا في قولك «أكرم عالما» متعلق الطلب هو ما فرض انه إكرام العالم لا الإكرام الواقعي فانه خارج عن قدرة المكلف واختياره. وحاصل المقدمة الثانية انّ ما يكون مرجحا لاختيار العبد وداعيا لإرادته إنما هو الصور الذهنية بما انها طريق سواء كان مطابقا للواقع أو لم يكن. وحاصل المقدمة الثالثة وهي العمدة في المقام انّ متعلق غرض المولى حيث يكون الفعل الصادر عن اختيار المكلف لا محالة يكون متعلق إرادة المولى وتحريكه هو اختيار المكلف لا العمل الخارجي ، وقد عرفت بمقتضى المقدمة الثانية ان للقطع والصور الذهنية موضوعية في تحقق الاختيار ، وليس الوجود الواقعي دخيلا في ذلك.
والمتحصل من جميع المقدمات انّ متعلق تكاليف المولى في الحقيقة هو اختيار ما تعلق القطع بانطباق الموضوع أو المتعلق عليه فعلا أو تركا فقول المولى : «لا تشرب الخمر» يكون زاجرا عن اختيار شرب مقطوع الخمرية وقوله : «أكرم عالما» باعث إلى إكرام ما فرض عالميته وإيجاد ما قطع بكونه إكرام العالم ، فيشمل إطلاق الأدلة صورة مصادفة القطع للواقع ومخالفته ، فكل من الشخصين اللذين صادف قطع أحدهما الواقع وخالف قطع الآخر اختار شرب ما فرض خمريته وما