وأشكل في الكفاية (١) على الاستدلال بها بان ظهور إطلاق النهي في التحريم يعارضه إطلاق الموصول للمستحبات أيضا ، وبما أنه لا مرجح لأحدهما على الآخر ، لا يستفاد منها إلّا رجحان الإتيان بما هو المقدور من الأجزاء دون وجوبه.
ويرد عليه : أولا : بما ذكرناه في محله من أن كلا من الوجوب والحرمة انما هو بحكم العقل ، وخارج عن دائرة المستعمل فيه ، وان الصيغة مطلقا لا تستعمل إلّا في معنى واحد ، وكل مورد ثبت فيه الترخيص في الفعل أو الترك يحكم فيه بالاستحباب أو الكراهة ، وإلّا فالعقل يستقل بلزوم الإطاعة جريا على مقتضى قانون العبودية والمولوية ، وعليه فالموصول وان كان شاملا للمستحبات إلّا ان ثبوت الترخيص بترك المقدور من أجزائها لا ينافي حكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدور من اجزاء الواجب بعد عدم ثبوت الترخيص فيها.
وثانيا : ان رجحان الإتيان بالمقدور من أجزاء الواجب يستلزم وجوبه ، لعدم القول بالفصل ، فان أمره دائر بين كونه واجبا أو غير مشروع ، فرجحانه مستلزم لوجوبه لا محالة ، وقد تقدم نظير ذلك في الاستدلال بآية النفر.
والتحقيق في الجواب أن يقال : أن الرواية على تقدير تسليم دلالتها لم يثبت انجبارها بعمل الأصحاب ، إذ لم نعثر عليها في غير كتاب العوائد فلا وثوق باعتماد الأصحاب عليها ، مع عدم وجدانها في كتب من تقدم على صاحب غوالي اللئالي. على أن دلالتها مخدوشة من وجهين.
الأول : أن ظاهر الرواية أن كل طبيعي وجب الإتيان بأفراده على نحو الاستغراق ، ولم يتمكن المكلف من الإتيان بجميعها وجب الإتيان بما تمكن ولو كان
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٥٣.