فليس غريبا من تناءى دياره |
|
ولكنّ من تنأين عنه غريب (١) |
والغربة ثلاثة أنواع :
غربة أهل الله وأهل سنّة رسوله بين هذا الخلق ، وهى الغربة الّتى مدح رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهلها ، وأخبر عن الدّين الذى جاء به أنه بدأ غريبا وأنه سيعود غريبا ، وأن أهله يصيرون غرباء ، وهذه الغربة قد تكون فى مكان دون مكان ، ووقت دون وقت ، وبين قوم دون غيرهم ، ولكن أهل هذه الغربة هم أهل الله حقّا لم يأووا إلى غير الله ، ولم يأنسوا (٢) إلى غير رسوله ، وهم الذين فارقوا النّاس أحوج ما كانوا إليهم. فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها ، بل هو آنس ما يكون إذا استوحش النّاس ، وأشدّ ما يكون وحشة إذا استأنسوا ، تولّاه الله ورسوله والذين آمنوا ، وإن عاداه أكثر النّاس وجفوه. ومن هؤلاء الغرباء من ذكرهم أنس فى حديثه عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «ألا أخبركم عن ملوك أهل الجنّة؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : كلّ ضعيف أغبر ذى طمرين (٣) لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبرّه». وقال الحسن : المؤمن فى الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلّها ، ولا ينافس فى خيرها (٤) ، للنّاس حال وله حال.
ومن صفات هؤلاء التمسّك بالسنّة إذا رغب عنه (٥) النّاس ، وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم. وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقا ، وأكثر النّاس بل كلّهم لائمون لهم.
__________________
(١) «تناءى» كذا فى الأصلين .. والأولى : «تناءت»
(٢) فى الأصلين : «ينافسوا» والظاهر أنه محرف عما أثبت.
(٣) الطمر : الثوب الخلق البالى. وفى الفتح الكبير ٢ / ٣٣٢ برواية : كم من ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره.
(٤) فى الأصلين : «غيرها» والظاهر ما أثبت
(٥) أى عن التمسك. والأولى «عنها» ، أى عن السنة.