والمهالك. دائرة العلم تسع الدّنيا والآخرة ، ودائرة الحال ربّما تضيق عن صاحبه. العلم هاد والحال الصّحيح مهتد به. فهو تركة الأنبياء / وتراثهم ، وأهله عصبتهم وورّاثهم ، وهو حياة القلب ، ونور البصائر ، وشفاء الصّدور ، ورياض العقول ، ولذّة الأرواح ، وأنس المستوحشين ، ودليل المتحيّرين. وهو الميزان الّذى يوزن به الأقوال والأفعال والأحوال. وهو الحاكم المفرّق بين الشّك واليقين ، والغىّ والرّشاد ، والهدى والضلال ، به يعرف الله ويعبد ، ويذكر ويوحّد. وهو الصّاحب فى الغربة ، والمحدّث فى الخلوة ، والأنيس فى الوحشة ، والكاشف عن الشبهة ، والغنى الّذى لا فقر على من ظفر بكنزه ، والكنف الذى لا ضيعة على من أوى إلى حرزه. مذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وطلبه قربة ، وبذله صدقة ، ومدارسته تعدل بالصّيام والقيام ، والحاجة إليه أعظم من الحاجة إلى الشّراب والطعام ؛ لأن المرء يحتاج إليهما مرة أو مرّتين فى اليوم ، وحاجته إلى العلم كعدد أنفاسه ، وطلبه أفضل من صلاة النافلة ، نصّ عليه الشافعىّ وأبو حنيفة.
واستشهد (١) الله ـ عزوجل ـ أهل العلم على أجلّ مشهود وهو التوحيد ، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته ، وفى ضمن ذلك تعديلهم فإنّه لا يستشهد بمجروح.
ومن هاهنا يوجّه (٢) ـ والله أعلم ـ الحديث : «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وتأويل المبطلين»
__________________
(١) أى فى قوله تعالى فى الآية ١٨ سورة آل عمران : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(٢) فى الأصلين : «يوجد» ، والظاهر أنه محرف عما أثبت