وهو حجة الله فى أرضه ، ونوره بين عباده ، وقائدهم ودليلهم إلى جنّته ، ومدنيهم من كرامته. ويكفى فى شرفه أن فضل أهله على العباد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وكفضل سيّد المرسلين على أدنى الصّحابة منزلة ، وأنّ الملائكة تضع لهم أجنحتها ، وتظلّهم بها ، وأنّ العالم يستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض حتّى الحيتان فى البحر ، وحتّى النّملة فى جحرها ، وأن الله وملائكته يصلّون على معلّمى النّاس الخير ، وأمر الله أعلم العباد وأكملهم أن يسأل الزّيادة من العلم فقال : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(١).
واعلم أنّ العلم على ثلاث درجات : أحدها : ما وقع من عيان وهو البصر. والثانى : ما استند إلى السمع وهو الاستفاضة. والثالث : ما استند إلى العلم وهو علم التجربة.
على أن طرق العلم لا تنحصر فيما ذكرناه فإنّ سائر الحواسّ توجب العلم ، وكذا ما يدرك بالباطن وهى الوجدانيّات ، وكذا ما يدرك بالمخبر الصّادق ، وإن كان واحدا ، وكذا ما يحصل بالفكر والاستنباط وإن لم يكن تجربة.
تمّ إنّ الفرق بينه وبين المعرفة من وجوه ثلاثة :
أحدها : أن المعرفة لبّ العلم ، ونسبة العلم إلى المعرفة كنسبة الإيمان إلى الإحسان (٢). وهى علم خاصّ متعلّقه أخفى من متعلّق العلم وأدقّ.
__________________
(١) الآية ١١٤ سورة طه
(٢) يريد الايمان والاحسان المذكورين فى حديث جبريل. فالايمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. والاحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فان لم تصل إلى هذا فإن تعبده وأنت موقن بأنه يراك