وقال المؤرّج (١) : هو العسل بلغة كنانة. قال شاعرهم (٢) :
وقاسمها بالله جهدا لأنتم |
|
ألذّ من السّلوى ، إذا ما نشورها (٣) |
وكان يرسل عليهم المنّ والسلوى ، فيأخذ كلّ واحد منه ما يكفيه يوما وليلة ، وإذا كان يوم الجمعة أخذ ما يكفيه ليومين لأنّه لم يكن ينزل إليهم يوم السبت ، فذلك قوله : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا) أي وقلنا لهم كلوا (مِنْ طَيِّباتِ) حلالات. (ما رَزَقْناكُمْ) ولا تدّخروا لغد. فخبّأوا لغد فقطع الله ـ عزوجل ـ ذلك عنهم ودوّد وفسد ما ادّخروا ، فذلك قوله عزوجل : (وَما ظَلَمُونا) ضرّونا بالمعصية. (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يصرّون باستيجابهم عذابي وقطع مادّة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا كلفة ولا مؤونة ولا مشقّة في الدنيا ولا تبعة ولا حساب في العقبى.
[٢ / ١٩٩٦] وروى خلّاس بن عمرو عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لا بنو إسرائيل ، لم يخنز طعام ولم يخبث لحم ، ولو لا حوّاء ، لم تخن أنثى زوجها» (٤). (٥)
***
وقال أبو جعفر الطبري : قوله تعالى : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ) عطف على قوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) فتأويل الآية : ثمّ بعثناكم من بعد موتكم ، وظلّلنا عليكم الغمام ، وعدّد عليهم سائر ما أنعم به عليهم ، (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). والغمام جمع غمامة كما السحاب جمع سحابة ، والغمام هو ما غمّ السماء فألبسها من سحاب وقتام (٦) وغير ذلك ، ممّا يسترها عن أعين الناظرين ، وكلّ مغطّى فإنّ العرب تسمّيه مغموما. وقد قيل : إنّ الغمام التي ظلّلها الله على بني إسرائيل لم تكن سحابا.
__________________
(١) نحويّ أخباري من أصحاب الخليل ، له كتاب غريب القرآن. (معجم الأدباء ٥ : ٥٣٦ / ٩٦٩).
(٢) هو خالد بن زهير ، كما في اللسان.
(٣) أي نأخذها من خليّتها ، يعني العسل. قرئ : نشوزها بالزاي ونشورها بالراء المهملة. وكلاهما بمعنى.
قال ابن سيده : والسّلوى طائر أبيض مثل السّمانى ، واحدته سلواة. قال : والسلوى : العسل. وأنشد البيت لخالد بن زهير.
قال الزجّاج : أخطأ خالد ، إنّما السلوى طائر. قال الفارسي : السلوى : كلّ ما سلاك و [إنّما] قيل للعسل سلوى ، لأنّه يسليك بحلاوته وتأتّيه من غير مؤنة. قال ذلك ردّا على الزجاج. راجع : المحكم لابن سيده ٨ : ٦١١. والعين للخليل ٧ : ٢٩٨. واللسان ١٤ : ٣٩٦.
(٤) صحيح ابن حبّان ٩ : ٤٧٧. قوله : لم يخنز طعام أي لم ينتن. قوله : لم يخبث لحم أي لم يفسد.
(٥) الثعلبي ١ : ٢٠٠ ـ ٢٠١.
(٦) القتام : الغبار الأسود. الظلام.