قلت : ما أجمل رأيهما بعد احتمال لفظ القرآن ما يترفّع به عن شبهة الإكراه على الدين. ولا سيّما والروايات بهذا الشأن ضعاف بأجمعها ، فضلا عن مخالفتها لأصول الحكمة في التكليف ـ على ما نبّهنا ـ وكما قال السيّد رشيد رضا : إنّ هذا المعنى ـ على ما جاء في الروايات ـ اعترض عليه بأنّه إكراه على الإيمان وإلجاء إليه وذلك ينافي التكليف.
ومن الغريب ما ذكره بعضهم : أنّ نفي الإكراه في الدين خاصّ بالإسلام ، وربّما كان مثل هذا الإلجاء جائزا في الأمم السابقة (١).
وأغرب منه نقد جماعة من علماء الأزهر لهذا التأويل ، بحجّة أنّه خلاف التعبير بالفوقيّة الظاهرة في المسامتة ، لا الارتفاع على جانب.
قالوا : وحيث ظهر فساد هذا التأويل ، وأنّ القرآن الكريم نصّ في إفادة الرفع المخصوص ـ كما قرّره جميع المفسّرين ـ كان القول بعدمه تكذيبا للقرآن (٢).
ولسيّدنا العلّامة الطباطبائي هنا كلام قد يبدو منه عجيبا ، قال : هذا التأويل وصرف الآية عن ظاهرها ، والقول بأنّ بني إسرائيل كانوا في أصل الجبل فزلزل وزعزع حتّى أطلّ رأسه عليهم فظنّوا أنّه واقع بهم ، فعبّر عنها برفعه فوقهم أو نتقه فوقهم ، مبنيّ على أصل إنكار المعجزات وخوارق العادات!! (٣)
وقد ردّ عليهم الأستاذ النجّار بأنّ الفوقيّة تحصل مع عدم المسامتة أيضا ، بدليل قوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)(٤) أي جاؤوكم من أعلا الوادي ومن أسفله والإضافة هنا كانت لأدنى ملابسة (٥).
وبعد فالنتق عبارة عن النفض ، يقال : نتق الجراب أي نفضه بمعنى حرّكه. ونتق الشيء : زعزعه. رفعه. بسطه. قال الراغب : نتق الشيء : جذبه ونزعه حتّى يسترخي كنتق عرى الحمل. قال تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ).
__________________
(١) راجع : المصدر : ٢٢٩.
(٢) المصدر : ٢٣٢.
(٣) الميزان ١ : ٢٠٠.
(٤) الأحزاب ٣٣ : ١٠. وشواهد أخر ذكرها الأستاذ فراجع.
(٥) قصص الأنبياء : ٢٣٣.