وعليه فليس نتق الجبل سوى زعزعته ليقتلع جزء من أعلاه فيتدلّى وينحدر نحو السفل ، لو لا أن أوقفه الله أثناء الانحدار ليقوم جانبيّا فوق رؤوس القوم حتّى ظنّوا أنّه واقع بهم.
هذا هو ظاهر الآية الكريمة ، ولا مشاحّة فيه حقيقة لو لا ذهاب الجمهور ووفرة الروايات بخلافه ، الأمر الذي أوقف هؤلاء الأعلام (أعضاء اللجنّة الأفاضل والعلّامة الطباطبائي) عن الانصياع له.
فالعمدة هي الروايات المسوقة بهذا الشأن فلننظر فيها :
قال أبو جعفر في تفسير الآية : الميثاق : المفعال من الوثيقة إمّا بيمين وإمّا بعهد أو غير ذلك من الوثائق.
ويعني بقوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) الميثاق الذي أخبر جلّ ثناؤه أنّه أخذ منهم في قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)(١) إلى آخر الآيات وكان سبب أخذ الميثاق عليهم فيما ذكره ابن زيد ما :
[٢ / ٢٢٨٤] أخبر ابن وهب عن ابن زيد أنّه قال : لمّا رجع موسى من عند ربّه بالألواح قال لقومه بني إسرائيل : إنّ هذه الألواح فيها كتاب الله ، وأمره الذي أمركم به ، ونهيه الذي نهاكم عنه ؛ فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتّى نرى الله جهرة ، حتّى يطلع الله علينا فيقول : هذا كتابي فخذوه! فما له لا يكلّمنا كما كلّمك أنت يا موسى ، فيقول : هذا كتابي فخذوه؟ قال : فجاءت غضبة من الله فجاءتهم صاعقة فصعقتهم ، فماتوا أجمعين. قال : ثمّ أحياهم الله بعد موتهم ، فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله! فقالوا : لا ، قال : أيّ شيء أصابكم؟ قالوا : متنا ثمّ حيينا ، قال : خذوا كتاب الله! قالوا : لا. فبعث ملائكته فنتقت الجبل فوقهم ، فقيل لهم : أتعرفون هذا؟ قالوا : نعم ، هذا الطور ، قال : خذوا الكتاب وإلّا طرحناه عليكم! قال : فأخذوه بالميثاق. وقرأ قول الله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) حتّى بلغ : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٢) قال : ولو كانوا أخذوه أوّل مرّة لأخذوه بغير ميثاق.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٨٣.
(٢) البقرة ٢ : ٨٣ ـ ٨٥.