تعالى قال : (قُرْآناً عَرَبِيًّا)(١) وقال : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(٢) وإنّما هذا وأشباهه وفاق بين اللّغتين.
وقد وجدنا الطّور في كلام العرب ، وقال جرير :
فإن ير سليمان الجنّ يستأنسوا بها |
|
وإن ير سليمان أحب الطّور ينزل |
وقال المفسّرون : وذلك أنّ الله تعالى أنزل التوراة على موسى وأمر قومه بالعمل بأحكامه فأبوا أن يقبلوها ويعملوا بما فيها للأضرار والأثقال الّتي فيها ، وكانت شريعته ثقيلة فأمر الله تعالى جبرئيل عليهالسلام يضع جبلا على قدر عسكره وكان فرسخا في فرسخ ورفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرّجل.
[٢ / ٢٣٠٤] روى أبو صالح عن ابن عبّاس قال : أمر الله تعالى جبلا من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتّى قام على رؤوسهم مثل الظلّة.
[٢ / ٢٣٠٥] وروى عطاء عن ابن عبّاس قال : رفع الله فوق رؤوسهم الطّور وبعث نارا من قبل وجوههم وأتاهم البحر الملح من خلفهم وقيل لهم : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) أي أعطيناكم.
(بِقُوَّةٍ) بجدّ ومواظبة. وفيه إضمار ، أي : وقلنا لهم : خذوا.
(وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) أي احفظوه واعلموه واعملوا به أي اتّعظوا به (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لكي تنجوا من الهلاك في الدّنيا والعذاب في العقبى فإن قبلتموه وفعلتم ما أمرتم به وإلّا رضختكم بهذا الجبل وأغرقتكم في البحر وأحرقتكم بهذه النّار ، فلمّا رأوا أن لا مهرب لهم قبلوا لك وسجدوا خوفا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود ، فصارت سنّة في اليهود لا يسجدون إلّا على أنصاف وجوههم فلمّا زال الجبل قالوا : يا موسى سمعنا وأطعنا ولو لا الجبل ما أطعناك.
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) أعرضتم وعصيتم.
(مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد أخذ الميثاق ورفع الجبل.
(فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بتأخير العذاب عنكم.
(لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) لصرتم من المغلوبين بالعقوبة وذهاب الدّنيا والآخرة (٣).
__________________
(١) يوسف ١٢ : ٢ ؛ طه ٢٠ : ١١٣.
(٢) الشعراء ٢٦ : ١٩٥.
(٣) الثعلبي ١ : ٢١١ ـ ٢١٢.