فقال لهما الأحبار : سلوه عن ثلاث مسائل : عن الفتية أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين ، وعن الروح حتّى يظهر لكم صدق نبوّته.
فقدما مكّة وعرضت قريش الأسئلة عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم. فسألوه عن ذي القرنين ، فجاء الوحي : (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً)(١).
وهكذا ذكر تعالى قصّة أصحاب الكهف مع شيء من التفصيل (٢).
وأما السؤال عن الروح فجاء في سورة الإسراء ، مع الإجمال في الجواب ، حيث لا مجال حينذاك ولا مقتضى للتفصيل والبيان ، بعد قصور أفهام العرب عن إدراك هكذا مسائل مستعصية.
قال سيّد قطب : وليس في هذا حجر على العقل البشري أن يعمل. ولكن فيه توجيها لهذا العقل أن يعمل في حدوده وفي مجاله الّذي يدركه. فلا جدوى في الخبط في التيه ، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه ، لأنّه لا يملك وسائل إدراكه (٣).
قلت : الجواب واف شاف ، وليس إقناعيّا محضا وتملّصا عن الجواب الصريح ـ كما زعم ـ بل الحقيقة هي : أنّ الروح الإنسانيّة هي من سنخ الملكوت الأعلى «هبطت إليك من المكان الأرفع». فإذ لم يكن باستطاعة مدركات الإنسان أن تدرك ما وراء عالم الحسّ والشهود ، إذ ما لديه من وسائل الإدراك إنّما خصّت بما يسانخها من مدركات ، فلا مجال لفهم ما سواها سوى الإذعان بوجودها وأنّها من عالم أعلا ومن أمر الله. أي شأنه شأن سائر المغيّبات وراء عالم الملكوت.
***
والسورة السادسة ـ الّتي جاء فيها ذكر الروح ـ هي سورة الحجر المكيّة (٤). وآيتها عين آية سورة «ص» (٥) ـ وكانت ثانية السور في ذلك ـ وهي قوله تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ).
__________________
(١) الكهف ١٨ : ٨٣.
(٢) الكهف ١٨ : ٩ ـ ٢٦. رقم نزولها : ٦٩.
(٣) في ظلال القرآن ٥ : ٣٥٧.
(٤) رقم نزولها : ٥٤. رقم ثبتها في المصحف : ١٥. الآية : ٢٩.
(٥) رقم نزولها : ٣٨. رقم ثبتها في المصحف : ٣٨. الآية : ٧٢.