والسورة العاشرة سورة الأنبياء (١) : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا). والآية بعينها تكرّرت في سورة مدنيّة : سورة التحريم : (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا)(٢).
غير أنّ الموصول في سورة الأنبياء جاء عطفا ، وفي سورة التحريم وصفا.
أمّا اختلاف التأنيث والتذكير فتنوّع في الكلام تارة نظرا إلى ذات الشيء ، وأخرى إلى متعلّقه كقولك : نظرت إلى وجه هند فرأيتها جميلة أو فرأيته جميلا.
والروح هنا هو الروح في قوله تعالى : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)(٣). فقد كان عيسى عليهالسلام روحا منه سبحانه ألقاه إلى مريم وشرّفها به وجعلها وابنها آية للعالمين (٤).
***
والحادية عشرة سورة السجدة (٥) : (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) مرادا به الروح الإنسانيّة المفاضة على الإنسان من ملكوت أعلا. كما مرّ الحديث عنه في سورة ص برقم ٢. وسورة الحجر برقم ٦.
والثانية عشرة سورة المعارج (٦) : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).
وهذه الروح الصاعدة الرافعة ببركات الأرض ، هي التي نزلت ببركات السماء ليلة القدر (٧). فكان هذا العروج إيذانا بنهاية الحياة على الأرض ، للحشر على صعيد القيامة.
وهي التي تقوم صفا مع الملائكة يوم الحساب تنتظر أمر الإله كما في السورة التالية :
__________________
(١) رقم نزولها بمكة : ٧٣. رقم ثبتها في المصحف : ٢١. الآية : ٩١.
(٢) التحريم ٦٦ : ١٢. رقم نزولها : ١٠٨.
(٣) النساء ٤ : ١٧١. رقم نزولها : ٩٢.
(٤) الأنبياء ٢١ : ٩١.
(٥) رقم نزولها بمكة : ٧٥. رقم ثبتها في المصحف : ٣٢. الآية : ٩.
(٦) رقم نزولها بمكة : ٧٩. رقم ثبتها في المصحف : ٧٠. الآية : ٤.
(٧) ولعلّه إلى ذلك ينظر ما أخرجه الزبير بن بكّار في أخبار المدينة عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كلّمه روح القدس لن يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه». (الدرّ ١ : ٢١٣). والظاهر أنّ الضمير يرجع إلى نفسه الكريمة. فلا تأكل الأرض لحمه بعد الدفن. حيث وقايته بالكلمة الّتي ألقاها إليه روح القدس .. وقد تقدم الحديث.