على مشركي العرب ، يقولون : اللهمّ ابعث هذا النبيّ الذي نجده مكتوبا عندنا ، حتّى يعذّب المشركين ويقتلهم! فلمّا بعث الله محمّدا ورأوا أنّه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ فقال الله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ)(١).
[٢ / ٢٦٨٩] وقال مقاتل بن سليمان : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ) أن يبعث محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم رسولا (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) نظيرها في الأنفال : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) يعني إن تستنصروا بخروج محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم على مشركي العرب جهينة ومزينة وبني عذرة وأسد وغطفان ومن يليهم ، كانت اليهود إذا قاتلوهم قالوا : اللهمّ إنّا نسألك باسم النبي الذي نجده في كتابنا ، تبعثه في آخر الزمان ، أن تنصرنا فينصرون عليهم. فلمّا بعث الله ـ عزوجل ـ محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم من غير بني إسرائيل كفروا به وهم يعرفونه ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَلَمَّا جاءَهُمْ) محمّد (ما عَرَفُوا) أي بما عرفوا من أمره في التوراة (كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) يعني اليهود (٢).
[٢ / ٢٦٩٠] وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عبّاس قال : كانت يهود خيبر تقاتل غطفان ، فكلّما التقوا هزمت يهود ، فعاذت بهذا الدعاء : اللهم إنّا نسألك بحقّ محمّد النبيّ الأمّي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلّا نصرتنا عليهم ، فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا فهزموا غطفان ، فلمّا بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كفروا به ، فأنزل الله (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني وقد كانوا يستفتحون بك يا محمّد إلى قوله (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ)(٣).
[٢ / ٢٦٩١] وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عبّاس. إنّ اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل مبعثه ، فلمّا بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه ، فقال لهم معاذبن جبل وبشر بن البراء وداوود بن سلمة : يا معشر يهود ، اتّقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمّد ونحن أهل شرك ، وتخبرونا بأنّه مبعوث ، وتصفونه بصفته! فقال سلام بن مشكم ـ أخو بني النضير ـ : ما جاءنا بشيء
__________________
(١) الطبري ١ : ٥٧٩ / ١٢٥٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٧٢ / ٩٠٦ ؛ ابن كثير ١ : ١٢٩.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ١٢٢.
(٣) الدرّ ١ : ٢١٦ ـ ٢١٧ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦٣ ، وقال : وهو حديث غريب وإنّما أخرجته لضرورة التفسير ؛ أسباب نزول الآيات : ١٦ ـ ١٧ ؛ الوسيط ١ : ١٧٣ ؛ القرطبي ٢ : ٢٧.