يذهبون ، فدعا موسى عليهالسلام مشيخة بني إسرائيل وسألهم عن ذلك. فقالوا : إنّ يوسف عليهالسلام لمّا حضرته الوفاة أخذ على إخوته عهدا أن لا يخرجوا من مصر حتّى يخرجوه معهم ؛ فلذلك انسدّ علينا الطريق ، فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا.
فقام موسى ينادي : أنشد الله كلّ من يعلم أين موضع قبر يوسف إلّا أخبرني به ، ومن لم يعلم فصمّت أذناه عن قولي. فكان يمرّ بين الرّجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتّى سمعته عجوز لهم فقالت : أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كلّما سألتك ، فأبى عليها وقال : حتّى أسأل ربّي ، فأمره الله ـ عزوجل ـ بإيتاء سؤلها ، فقالت : إنّي عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر ، هذا في الدّنيا ، وأمّا في الآخرة فأسألك أن لا تنزل بغرفة من الجنّة إلّا نزلتها معك ، قال : نعم ، قالت : إنّه في جوف الماء في النيل ، فادع الله حتّى يحبس عنه الماء. فدعا الله فحبس عنه الماء ، ودعا أن يؤخّر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف ، فحفر موسى ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من المرمر فحمله حتّى دفنه بالشام ، ففتح لهم الطريق (١).
[٢ / ١٨٠٦] وذكر البغوي : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ ،) قيل : معناه فرقنا لكم البحر ، وقيل : فرقنا البحر بدخولكم إيّاه ، وسمّي البحر بحرا لاتّساعه ، ومنه قيل للفرس : بحر إذا اتّسع في جريه.
وذلك أنّه لمّا دنا هلاك فرعون أمر الله تعالى موسى عليهالسلام أن يسير ببني إسرائيل من مصر ليلا فأمر موسى قومه أن يسرجوا (٢) في بيوتهم إلى الصبح ، وأخرج الله تعالى كلّ ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم وكلّ ولد زنا في بني إسرائيل من القبط إلى القبط ، حتّى رجع كلّ إلى أبيه ، وألقى الله الموت على القبط فمات كلّ بكر لهم فاشتغلوا بدفنهم حتّى أصبحوا ، حتّى طلعت الشمس وخرج موسى عليهالسلام في ستّمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يعدّون ابن العشرين لصغره ولا ابن الستّين لكبره ، وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب اثنين وسبعين إنسانا ما بين رجل وامرأة ، وعن ابن مسعود قال : كان أصحاب موسى ستّمائة ألف وسبعين ألفا.
وعن عمرو بن ميمون قال : كانوا ستّمائة ألف ، فلمّا أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون ، فدعا موسى مشيخة بني إسرائيل وسألهم عن ذلك ، فقالوا : إنّ يوسف عليهالسلام لمّا حضره الموت أخذ على إخوته عهدا أن لا يخرجوا من مصر حتّى يخرجوه معهم فلذلك انسدّ علينا
__________________
(١) الثعلبي ١ : ١٩٢.
(٢) أي أمرهم أن يضيئوا السراج.