دخل بنو إسرائيل البحر ، فلم يبق منهم أحد ، أقبل فرعون وهو على حصان له من الخيل حتّى وقف على شفير البحر ، وهو قائم على حاله ، فهاب الحصان أن ينفذه ؛ فعرض له جبريل على فرس أنثى وديق (١) ، فقرّبها منه فشمّها الفحل ، فلمّا شمّها قدّمها (٢) ، فتقدّم معها الحصان وعليه فرعون ، فلمّا رأى جند فرعون فرعون قد دخل دخلوا معه وجبريل أمامه ، وهم يتّبعون فرعون ، وميكائيل على فرس من خلف القوم يسوقهم ، يقول : الحقوا بصاحبكم. حتّى إذا فصل جبريل من البحر ليس أمامه أحد ، ووقف ميكائيل على ناحيته الأخرى وليس خلفه أحد ، طبّق عليهم البحر ، ونادى فرعون حين رأى من سلطان الله ـ عزوجل ـ وقدرته ما رأى وعرف ذلّته وخذلته نفسه : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٣). (٤)
[٢ / ١٨١٦] وعن عمرو بن ميمون الأودي في قوله : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) قال : لمّا خرج موسى ببني إسرائيل ، بلغ ذلك فرعون ، فقال : لا تتّبعوهم حتّى يصيح الديك. قال : فو الله ما صاح ليلتئذ ديك حتّى أصبحوا فدعا بشاة فذبحت ، ثمّ قال : لا أفرغ من كبدها حتّى يجتمع إليّ ستّمائة ألف من القبط. فلم يفرغ من كبدها حتّى اجتمع إليه ستّمائة ألف من القبط. ثمّ سار ، فلمّا أتى موسى البحر ، قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون : أين أمرك ربّك يا موسى؟ قال : أمامك! يشير إلى البحر. فأقحم يوشك فرسه في البحر حتّى بلغ الغمر ، فذهب به ثمّ رجع ، فقال : أين أمرك ربّك يا موسى؟ فو الله ما كذبت ولا كذبت! ففعل ذلك ثلاث مرّات ، ثمّ أوحى الله ـ جلّ ثناؤه ـ إلى موسى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)(٥). يقول : مثل جبل. قال : ثمّ سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم ، حتّى إذا تتامّوا (٦) فيه أطبقه الله عليهم ، فلذلك قال : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) قال معمر : قال قتادة : كان مع موسى ستّمائة
__________________
(١) فرس وديق : مريدة للفحل تشتهيه.
(٢) قدّمها : زجرها.
(٣) يونس ١٠ : ٩٠.
(٤) الطبري ١ : ٣٩٤ / ٧٦٢ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٢٩٦ ؛ البغوي ١ : ١١٥.
(٥) الشعراء ٢٦ : ٦٣.
(٦) تتامّ القوم : اجتمع كلّهم.