فلمّا جاز آخر قوم موسى ، هجم فرعون على البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان (١). فلمّا هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر ، فتمثّل له جبريل على فرس أنثى وديق (٢). فلمّا رآها الحصان تقحّم خلفها ، وقيل لموسى : اترك البحر رهوا ـ قال : طرقا على حاله ـ (٣) قال : ودخل فرعون وقومه في البحر ، فلمّا دخل آخر قوم فرعون وجاز آخر قوم موسى أطبق البحر على فرعون وقومه فأغرقوا (٤).
[٢ / ١٨١٨] وعن السدّي : أنّ الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل ، فقال : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ)(٥) فخرج موسى وهارون في قومهما ، وألقي على القبط الموت فمات كلّ بكر رجل. فأصبحوا يدفنونهم ، فشغلوا عن طلبهم حتّى طلعت الشمس ، فذلك حين يقول الله جلّ ثناؤه : (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ)(٦) فكان موسى على ساقة (٧) بني إسرائيل ، وكان هارون أمامهم يقدمهم. فقال المؤمن (٨) لموسى : يا نبيّ الله ، أين أمرت؟ قال : البحر. فأراد أن يقتحم ، فمنعه موسى. وخرج موسى في ستّمائة ألف وعشرين ألف مقاتل ، لا يعدّون ابن العشرين لصغره ولا ابن الستّين لكبره ، وإنّما عدوّا ما بين ذلك سوى الذريّة. وتبعهم فرعون وعلى مقدّمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ليس فيها ماذيانة (٩) ، يعني الأنثى ؛ وذلك حين يقول الله جلّ ثناؤه : (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ. إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)(١٠) يعني بني إسرائيل. فتقدم هارون ، فضرب البحر ، فأبى البحر أن ينفتح ، وقال : من هذا الجبّار الذي يضربني؟ حتّى أتاه موسى ، فكنّاه أبا خالد وضربه
__________________
(١) الأدهم : الأسود. والذنوب : الوافر الذنب الطويلة. والحصان : يريد به الفحل.
(٢) الوديق : المريدة للفحل تشتهيه.
(٣) الرهو : السعة من الطريق. أي اترك البحر على حاله متّسعا فيه الطريق ليقتحمه فرعون وجنوده أجمعون.
(٤) الطبري ١ : ٣٩٥ ـ ٣٩٦ / ٧٦٤ ؛ مجمع البيان ١ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، ذكره مختصرا باختلاف يسير في الألفاظ ؛ التبيان ١ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، باختلاف يسير.
(٥) الدخان ٤٤ : ٢٣.
(٦) الشعراء ٢٦ : ٦٠.
(٧) أي في مؤخّرهم يحافظ عليهم من ورائهم.
(٨) وهو يوشع على ما مرّ في الحديث السابق.
(٩) ماذيانة : معرّب ماديانه بالدال المهملة ـ كلمة فارسيّة ـ تعني الأنثى من الخيل.
(١٠) الشعراء ٢٦ : ٥٣ ـ ٥٤.