فانفلق (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)(١) يقول : كالجبل العظيم. فدخلت بنو إسرائيل. وكان في البحر اثنا عشر طريقا ، في كلّ طريق سبط ، وكانت الطرق انفلقت بجدران ، فقال كلّ سبط : قد قتل أصحابنا! فلمّا رأى ذلك موسى ، دعا الله ، فجعلها لهم قناطر كهيئة الطيقان (٢). فنظر آخرهم إلى أوّلهم ، حتّى خرجوا جميعا. ثمّ دنا فرعون وأصحابه ، فلمّا نظر فرعون إلى البحر منفلقا ، قال : ألا ترون البحر فرق منّي قد انفتح لي حتّى أدرك أعدائي فأقتلهم؟ فذلك حين يقول الله جلّ ثناؤه : (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ)(٣) يقول : قرّبنا ثمّ الآخرين ؛ يعني آل فرعون. فلمّا قام فرعون على أفواه الطرق أبت خيله أن تقتحم ، فنزل جبريل على ماذيانة ، فشامّ (٤) الحصان ريح الماذيانة ، فاقتحم في أثرها ، حتّى إذا همّ أوّلهم أن يخرج ودخل آخرهم ، أمر البحر أن يأخذهم ، فالتطم (٥) عليهم (٦).
[٢ / ١٨١٩] وعن ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : لمّا أخذ عليهم فرعون الأرض إلى البحر قال لهم فرعون : قولوا لهم يدخلون البحر إن كانوا صادقين. فلمّا رآهم أصحاب موسى ، قالوا : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)(٧) فقال موسى للبحر : ألست تعلم أنّي رسول الله؟ قال : بلى. قال : وتعلم أنّ هؤلاء عباد من عباد الله أمرني أن آتي بهم؟ قال : بلى. قال : أتعلم أنّ هذا عدوّ الله؟ قال : بلى. قال : فانفرق لي طريقا ولمن معي. قال : يا موسى ، إنّما أنا عبد مملوك ليس لي أمر إلّا أن يأمرني الله تعالى! فأوحى الله ـ عزوجل ـ إلى البحر : إذا ضربك موسى بعصاه فانفرق ، وأوحى إلى موسى أن يضرب البحر ، وقرأ قول الله تعالى : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى)(٨) وقرأ قوله : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً)(٩) سهلا ليس فيه تعدّ (١٠). فانفرق اثنتي عشرة فرقة ، فسلك كلّ سبط في طريق. قال : فقالوا لفرعون : إنّهم قد دخلوا البحر. قال : ادخلوا عليهم ، قال : وجبريل في آخر بني إسرائيل يقول لهم : ليلحق آخركم أوّلكم. وفي أوّل آل فرعون ، يقول لهم :
__________________
(١) الشعراء ٢٦ : ٦٣.
(٢) الطيقان : جمع طاق ، وهو عقد البناء.
(٣) الشعراء ٢٦ : ٦٤.
(٤) شامّ : تشمّم.
(٥) التطم عليهم : أطبق عليهم.
(٦) الطبري ١ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ / ٧٦٥.
(٧) الشعراء ٢٦ : ٦١ ـ ٦٢.
(٨) طه ٢٠ : ٧٧.
(٩) الدخان ٤٤ : ٢٤.
(١٠) أي إضرار بأحد.