ولم يقل : أمازرهم ، فذكّر وهو يريد أمازر ما ذكرنا. ولو كان كذلك لجاز أن تقول هو أحسنكم وأجمله ، ولكنه ذهب إلى أن هذا الجنس يظهر مع نكرة غير مؤقّتة يضمر فيها مثل معنى النكرة ؛ فلذلك قالت العرب : هو أحسن الرجلين وأجمله ؛ لأن ضمير الواحد يصلح فى معنى الكلام أن تقول هو أحسن رجل فى الاثنين ، وكذلك قولك هى أحسن النساء وأجمله. من قال وأجمله قال : أجمل شىء فى النساء ، ومن قال : وأجملهن أخرجه على اللفظ ؛ واحتجّ بقول الشاعر :
مثل الفراخ نتقت حواصله (١)
ولم يقل حواصلها. وإنما ذكّر لأن الفراخ جمع لم يبن على واحده ، فجاز أن يذهب بالجمع إلى الواحد. قال الفرّاء : أنشدنى المفضّل :
ألا إن جيرانى العشية رائح |
|
دعتهم دواع من هوى ومنازح |
فقال : رائح ولم يقل رائحون ؛ لأن الجيران قد خرج مخرج الواحد من الجمع إذ لم يبن جمعه على واحده.
فلو قلت : الصالحون فإن ذلك لم يجز ؛ لأن الجمع منه قد بنى على صورة واحده. وكذلك الصالحات نقول ، ذاك غير جائز ؛ لأن صورة الواحدة فى الجمع قد ذهب عنه توهّم الواحدة. ألا ترى أن العرب تقول : عندى عشرون صالحون فيرفعون ويقولون عندى عشرون جيادا فينصبون الجياد ؛ لأنها لم تبن على واحدها ، فذهب بها إلى الواحد ولم يفعل ذلك بالصالحين ؛ قال عنترة :
فيها اثنتان وأربعون حلوبة |
|
سودا كخافية الغراب الأسحم (٢) |
__________________
(١) «نتقت» أي سمنت. وانظر رسالة الغفران ٤١٦.
(٢) من معلقته. والضمير فى «فيها» يرجع إلى «حمولة أهلها» فى قوله :
ما راعنى إلا حمولة أهلها |
|
وسط الديار تسف حب الخمخم |
والحمولة : الإبل عليها الأثقال ، يريد تهيؤ أهلها للسفر. والحلوبة الناقة ذات اللبن ، والسود من الإبل عزيزة. وانظر الحزانة ٣ / ٣١٠