وأنشدنى بعض (١) بنى عقيل :
لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا |
|
أصم فى نهار القيظ للشّمس باديا |
وأركب حمارا بين سرج وفروة |
|
وأعر من الخاتام صغرى شماليا (٢) |
فألقى جواب اليمين من الفعل ، وكان الوجه فى الكلام أن يقول : لئن كان كذا لآتينك ، وتوهم إلغاء اللام كما قال الآخر (٣) :
فلا يدعنى قومى صريحا لحرّة |
|
لئن كنت مقتولا ويسلم عامر |
فاللام فى «لئن» ملغاة ، ولكنها كثرت فى الكلام حتى صارت بمنزلة (٤) «إن» ، ألا ترى أن الشاعر قد قال :
فلئن قوم أصابوا غرّة |
|
وأصبنا من زمان رققا (٥) |
للقد كانوا لدى أزماننا |
|
لصنيعين لبأس وتقى (٦) |
__________________
(١) يريد امرأة منهم. ويقول الفراء فى سورة الإسراء فى هذين البيتين : «وأنشدتنى امرأة عقيلية فصيحة».
(٢) الشاهد أنه جاء الفعل «أصم» جوابا مجزوما لإن الشرطية بعد تقدم القسم المشعر به اللام الموطئة ، وهو قليل فى الشعر. وقيل إن اللام زائدة. و «ما» عبارة عن الكلام. والقيظ : شدة الحر. والبادي : البارز. وركوب الحمار بين الفروة والسرج هيئة من يندد به ويفضح بين الناس. وأعر : مضارع أعراه أي جعله عاريا. والخاتام لغة فى الخاتم. وصغرى الشمال خنصرها فإن الخاتم يكون زينة للشمال ، واليمين لها فضيلة اليمين. يقول : إن كان ما نقل لك عنى من الحديث صحيحا فجعلنى الله صائما فى تلك الصفة الشاقة ، وأركبنى حمارا للخزى والفضيحة وجعل شمالى عارية من حسنها وزينتها بقطعها. (خزانة الأدب ج ٤ : ٥٣٨).
(٣) قائله قيس بن زهير العبسي ، وتقدير البيت : لئن قتلت و «عامر» سالم من القتل فلست بصريح النسب حر الأم ؛ وأراد عامر بن الطفيل. و «يسلم» على القطع والاستئناف ، ولو نصب بإضمار «أن» لأن ما قبله من الشرط غير واجب لجاز. (هامش سيبويه ج ١ : ٤٢٧).
وقال ابن مالك : وقد يستغنى بعد «لئن» عن جواب لتقدم ما يدل عليه فيحكم بأن اللام زائدة ، فمن ذلك قول عمر بن أبى ربيعة :
ألمم بزينب إن البين قد أفدا |
|
قل الثواء لئن كان الرحيل غدا |
ومثله : فلا يدعنى قوم ... البيت. وقال فى شرح الكافية : لا قسم فى مثل هذه الصورة ، فلا يكون إلا شرط.
(٤) فى ج ، ش : «كأنها».
(٥) «غرة» فى شعراء ابن قتيبة ١ / ٤٧ : «عزة». الرقق : رقة الطعام وقلته ، وفى ماله رقق أي قلة ، وذكره القراء بالنفي فقال : يقال ما فى ماله رقق ، أي قلة.
(٦) كذا. والمعنى غير واضح. وقد يكون الأصل : للقد أ ......