من السفور والانقياد لمن يحاول لمسها والنظر إليها فيضربها النخّاس فتصرخ بالروميّة ، فاعلم أنّها تقول : واهتك ستراه!
فيقول بعض المبتاعين : علَيَّ بثلاثمائة دينارٍ ، فقد زادني العفاف فيها رغبةً .
فتقول بالعربيّة : لو برزت في زيِّ سُليمان على سرير مُلكه ، ما بدت لي فيك رغبة ، فاشفق على مالك .
فيقول النخّاس : فما الحيلة؟ ولا بدّ من بيعك .
فتقول الجارية : وما العجلة ، ولا بُدَّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته وديانته . فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له : إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف ، كتبه بلغةٍ روميّة وخطّ روميّ ، ووصف كرمه ووفاءه ، فناوِلها لتتأمّل فيه ، فإن مالت إليه فأنا وكيله في ابتياعها منك .
قال بشر : فامتثلتُ جميع ما حدّه لي مولاي في أمر الجارية ، فلمّا نَظَرَتْ في الكتاب بكت بكاءً شديداً ، وقالت لعمر النخّاس : بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالأيمان المغلّظة إنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أُشاحّه في ثمنها إلى أن استقرَّ الأمر على مقدار ما كان أصحَبنيه مولاي عليهالسلام من دنانير الصُّرّة الصفراء ، فاستوفاه منّي وتسلّمتُ منه الجارية ضاحكةً مستبشرةً ، وانصرفت بها إلى الحُجرة التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجَتْ كتابَ مولانا عليهالسلام من جيبها وهي تَلْثِمُهُ ، وتضعه على خدِّها ، فقلت تعجّباً منها : أتَلْثِمينَ كتاباً لا تعرفين صاحبه؟!
قالت : أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء ، أنا مليكة بنت يوشعا بن قيصر الروم ، وأُمّي من ولد الحواريّين تنسب إلى شمعون