وقع بيده كان يمكن أن يتقوّى به ويتغلّب عليهما فيأخذ ما بيدهما من الخلافة أم لا؟
فمثل هذا المتفحّص الذي يريد الدين ، وتشخيص الفرقة المحقّة من الثلاث والسبعين ، وتمييز أئمّة الضلال عن أئمّة الهدى ، كيف يجوز له أن يقنع في مثل هذا الموضع بالسكوت ، بل إنّما له وكذا لمنكر خلافتهما والقادح فيهما أن يجعل هذا من علائم القدح ويحمل كلامكم هذا على العجز والتعصّب ، فلا يمكنكم إرشاد المسترشد ولا إلزام الخصم ، وكأنّه لأجل هذا تشبّث بعضٌ منهم بالإنكار كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فقال : إنّ فاطمة عليهاالسلام كانت جاهلة بالحال فادّعت دعواها فلمّا أجابها أبو بكر بحكم المسألة رضيت وسكتت لا غضبت ولا سخطت(١) .
ولا يخفى أنّ هذا بعينه مثل كلام السوفسطائيّة في إنكار الضروريّات الواضحة ، كوجود الليل والنهار والبراري والبحار ونحو ذلك ؛ إذ كما بيّنّا وأوضحنا صار أصل تحقّق التأذّي منها كالشمس في رابعة النهار ، حتّى أنّه لو سكت أحد عن تعيين سببه أيضاً لا يمكن إنكار أصله أصلاً ، بل ولو تشبّث أحد بما أشرنا إليه من بعض المنقولات لدخل في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)(٢) ، وسيأتي أيضاً ما يوضّح هذا عياناً ، حتّى أنّه لأجل هذا وأمثاله التزم جماعة منهم تحقّق الأذى ، وتشبّثوا بأنّ ذلك غير قادح لهما ؛ لاعتقادهما شرعيّة فعلهما ، حتّى قال بعضهم : ولو سلّمنا القدح فيهما لا نسلّم كونه قادحاً في الخلافة ، بناءً
____________________
(١) انظر : المغني لعبد الجبار ق ٢٠ / ١ : ٣٢٩ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ : ٢٣٨ .
(٢) سورة آل عمران ٣ : ٧ .