والنهيَ عن المنكر ، وإحقاقَ الحقّ ونحو ذلك ممّا لا يكون بدون الأذى والإغضاب .
هذا كلّه ، مع ما ظهر أيضاً ممّا مرّ ، بل وممّا يأتي أيضاً من أنّها كانت مثل أبيها صلىاللهعليهوآله في جميع صفات الخير كالزهد والعلم والحلم والصدق والجود والعطاء في سبيل اللّه وترك الدنيا ، بحيث كانت تجوّع نفسها وأولادها وتبذل في اللّه وللّه ، حتّى صارت بحيث أنزل اللّه لها المائدة مراراً ، وأنزل في شأنها سورة (هل أتى) ، وأشركها مع رسوله صلىاللهعليهوآله في الدعاء دون غيرها ، كما هو نصّ آية المباهلة(١) ، بل مع دلالة أكثر ما مرّ ويأتي على مشاركتها مع النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام في دلائل العصمة وسائر الفضائل والكمالات الجليلة .
فعلى هذا لا مجال لمن تتبّع ما أشرنا إليه من أحوالها جميعاً غير التزام عدم ارتكابها للباطل ومخالفة الشرع ، وما لا يرضى به اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله أصلاً ، لا عمداً وهو ظاهر ، ولا جهلاً ؛ ضرورة أنّ مثل هذا المتورّع لا يرتكب أمراً ، ولا يجدّ جدّاً في شيء إلاّ بعد أن يحصل له العلم القطعي بكونه مشروعاً ، بل بعد معرفته بكون فعله راجحاً شرعاً ، لاسيّما فيما احتمل حقّ الغير ، وخصوصاً فاطمة عليهاالسلام التي كان تمام الدنيا عندها كلا شيء ، وكانت تبذل قوتها للناس فضلاً عمّا سواه .
ومع هذا كانت عالمة بغوامض الكتاب والسنّة فضلاً عن المسائل الواضحة ، حتّى أنّه لو فرض جهلها بشيء كان عندها أبوها وزوجها أعلم الناس كافّةً بجميع الأُمور كافّة ، ومع هذا كان شفقتهما عليها أزيد من أن لا يتقدّما إليها في حكاية دعواها ، لاسيّما مثل تلك الدعوى التي وصلت
____________________
(١) سورة آل عمران ٣ : ٦١ .