العارفين بسرّ أبيهم ، ولم يتوجّهوا إلى شيوع وجود مثل ذلك في الأُمم السابقة ، كأصحاب الكهف ، ومؤمن آل فرعون وآل ياسين وغيرهم ، وأنّه لا محالة يكون في هذه الأُمّة كلّ ما كان في الأُمم السالفة ، بل تمسّكوا هاهنا بمحض الموضوعات وتشبّثوا بالشبهات في مقابل المحكمات البيّنات ، فحكموا بكفره وضلالته ، وأنّه في نار جهنّم مع آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله واُمّهاته ، حتّى أنّ الذي هو معروف من حال هؤلاء القوم أنّهم يثبتون الإيمان لكلّ كافر فاجر جائر بأدنى سبب ، وبأدنى خبر واحد ، وبالتلويح بحيث إنّ جمعاً منهم ذهبوا إلى إيمان فرعون بمحض قوله حين نزل عليه عذاب الغرق : آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل ، مع صريح ردّه في القرآن(١) .
وهكذا هو حالهم في إثبات الجنّة والخير بمحض ما قلناه من أدنى سبب ، أو خبر ، أو تلويح ، أو نحو ذلك لكلّ منافق مفسد غادر بحيث قال جمع منهم بأنّ عمّاراً وقاتله في الجنّة(٢) ؛ لأجل أنّ رجلاً في المنام رآهما معاً في الجنّة ، مع ورود صريح النصّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله عندنا وعندهم في كون قاتل عمّار في النار(٣) .
ولقد قال كثير منهم مثل كلام هؤلاء في سائر قتلى صفّين ، بل في الخوارج أيضاً بمحض قول شرحبيل : رجل من أهل الشام قال : رأيت عمّار بن ياسر ، وذا الكلاع ـ الذي قتله أصحاب عليّ عليهالسلام ـ في المنام في
____________________
(١) إشارة إلى الآيات : ٩٠ ـ ٩٢ من سورة يونس (١٠) .
(٢) لم نعثر عليه نصّاً ، وانظر : الفصل لابن حزم ٤ : ١٦١ .
(٣) المعيار والموازنة : ١٦٠ ، شرح الأخبار ٢ : ١٩ ، دعائم الإسلام ١ : ٣٩٣ ، بحار الأنوار ٣٣ : ١٠ ، المستدرك للحاكم ٣ : ٣٨٧ ، مسند أحمد ٥ : ٢٢٢ / ١٧٣٢٢ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ٢٦١ ، حلية الأولياء ٤ : ١٧٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ : ٤٧٣ و٤٧٤ ، كنز العمال ١٣ : ٥٢٨ / ٣٧٣٦٧ .