لا تحصى ، وأشدّ من هذا أنّهم حكموا بحسن حال الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي من المسلّم عند كلّ أحد أنّه غضب يوماً فجعل القرآن غرضاً للسهام ورماه بسهم فنفذ فيه ، ثمّ أنشد شعره المعروف المشهور(١) الذي هو كفر صريح .
ومع هذا كلّه لم يقبلوا في أبي طالب رضىاللهعنه مع ما مضى ويأتي فيه غير كفره ، وتعذيبه في نار جهنّم ، بحيث لم يقبلوا فيه شهادةَ أبي بكرهم(٢) أيضاً ، حتّى أنّ من أعجب العجائب أنّ المعلوم عندهم أنّ حاتم الطائي(٣)يدخل النار ولكن لا يعذّب مطلقاً لجوده ، وكذا من الكسرويّة : لا يعذّب أنوشيروان لعدله ، وإنّ أبا طالب رضىاللهعنه مع تلك المعاونات العظيمة ليس مثل هؤلاء أيضاً ، بل إنّه في ضحضاح من النار ، بحيث يغلي اُمّ رأسه .
____________________
(١) أشعاره هكذا :
أتُوعِدُ كلَّ جبّارٍ عنيدٍ |
|
فها أنا ذا جبّارٌ عنيدُ |
إذا ما جئت ربّك يوم حشرٍ |
|
فقُلْ يا ربّ مزّقني الوليدُ |
الأشعار المذكورة وقصّة التفأل بالقرآن منسوبة للوليد بن يزيد بن عبد الملك ، انظر : حياة الحيوان ١ : ١٠٣ ، وأدب الدنيا والدين : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ، الطرائف ١ : ٢٤٨ ، وتفسير القرطبي ٩ : ٣٥٠ .
(٢) إشارة إلى ما ورد عن العبّاس قال : جاء أبو بكر إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله بأبي قحافة يقوده وهو شيخ كبير أعمى ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لأبي بكر : «ألا تركت الشيخ حتّى نأتيه» ، فقال : أردتُ يا رسول اللّه أن يأجرني اللّه ، أما والذي بعثك بالحقّ لأنا كنت أشدّ فرحاً بإسلام عمّك أبي طالب ...
انظر : إيمان أبي طالب : ١٣٥ ـ ١٣٨ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٤ : ٦٨ ـ ٦٩ .
(٣) هو حاتم بن عبد اللّه بن سعد ، يكنّى أبا عدي ، وأبا سفّانة ، كان شاعراً جواداً . إذا سئل أعطى ووهب ، يضرب المثل بجوده ، وأخباره كثيرة متفرقة في كتب الأدب والتاريخ ، مات سنة ٤٦ هـ .
انظر : الأغاني ١٧ : ٣٦٣ ، المنتظم ٢ : ٢٨٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١١ : ٣٥٧ ، الأعلام ٢ : ١٥١ .