قلت : أعوذ باللّه أن أُخالفك أمراً .
قال هرثمة : ثمّ خرجت من عنده باكياً حزيناً لا يعلم ما في نفسي إلاّ اللّه ، فلمّا أصبحت دعاني المأمون فلم أزل قائماً إلى أن أضاء النهار ، فقال لي : امض إلى أبي الحسن الرضا عليهالسلام فاقرأه منّي السلام وقل له : تصير إلينا أو نصير إليك .
قال : فجئته فلمّا سلّمت عليه ، قال لي : «يا هرثمة ، أليس قد حفظتَ ما وصّيتك به ؟» قلت : بلى ، فقال : «قدّموا نعلي فقد علمت ما أرسلك به» . فلمّا دخل عليه قام المأمون إليه وعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه إلى جنبه على سريره وأقبل عليه يحادثه ساعة من النهار ، ثمّ قال لبعض غلمانه : آتني بعنبٍ ورمّانٍ .
قال هرثمة : فلمّا سمعت هذا لم أستطع الصبر ، وكرهت أن يتبيّن ذلك في وجهي ، فتراجعت القهقرى حتّى خرجت ، فرميت بنفسي في موضع من الدار ، فلمّا قرب الزوال أحسست بسيّدي قد خرج من عند المأمون ورجع إلى داره ، ثمّ رأيت الآمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطبّاء ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : قد عرضت غمّة لأبي الحسن عليهالسلام . فكان الناس في شكٍّ ، وأنا في يقين لما علمت من سيّدي عليهالسلام ، فلمّا كان في بعض الليل علا الصياح وسمعت الرجّة من الدار ، فأسرعت فيمن أسرع ، فإذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس محلّل الأزرار قائماً على قدميه ، فقلت للناس : ما الخبر ؟ فقالوا : توفّي الرضا عليهالسلام .
فأنفذ المأمون إلى محمّد بن جعفر الصادق عليهالسلام وجماعةٍ من آل أبي طالب الذين كانوا عنده ، فلمّا حضروا نعاه إليهم وبكى ، وأظهر الحزن والتوجّع ، وجلس للتعزية ، ثمّ قام يمشي إلى الموضع الذي فيه الرضا عليهالسلام ،