فقال : أصلحوا لنا موضعاً فإنّي أُريد أن أُغسّله بيدي ، فدنوت منه ، فقلت : الخلوةَ يا أمير المؤمنين ، فأخلا نفسه ، فأعددت عليه ما قاله سيّدي بسبب الغسل والكفن والدفن ، فقال لي : لست أعرض لك في ذلك شأنك يا هرثمة ، فوقفت حتّى رأيت الفسطاط قد نصب ، ففعلت كلّ ما كان سيّدي أوصاني به ، وأنا أسمع من وراء الفسطاط التكبير والتسبيح وتردّد الأواني وصوت صبّ الماء وتضوّع رائحة الطيب الذي لم أشمّ مثله .
قال : فإذا أنا بالمأمون قد أشرف علَيَّ ، فقال : يا هرثمة ، فذكر ما أخبرني به سيّدي في غسل الإمام ، فأجبته بما قال لي سيّدي أن أُجيبه به ، فسكت عنّي .
ثمّ ارتفع الفسطاط فإذا أنا بسيّدي مدرج في أكفانه ، فحملناه فصلّى عليه المأمون وجميع مَنْ حضر .
ثمّ جئنا إلى موضع القبر فوجدتهم يضربون المعاول من فوق قبر هارون والمعاول تنبوا ، فقال المأمون : ويحك يا هرثمة ، ما ترى كيف يمتنع من حفر قبر له ؟ فقلت له : نعم ، هو أخبرني بذلك ، وأمرني أن أضرب مِعولاً واحداً في قبلة قبر أبيك لا أضرب غيره ، فقال : إذا ضربتَ يا هرثمة ، يكون ما ذا ؟ فأخبرته بما أخبرني به سيّدي من حكاية القبر ، قال المأمون : سبحان اللّه ما أعجب هذا الكلام ، ولا عجب من أمر أبي الحسن ، فاضرب حتّى نرى ، فأخذت فضربت في قبلة هارون فانفرج القبر(١) محفوراً ، والناس ينظرون ، ثمّ ظهر الماء والحوت وكلّ ما أخبرني به سيّدي ، والناس ينظرون إلى أن (غاب الحوت ، و)(٢) غار الماء ، فجعلت
____________________
(١) كلمة «القبر» لم ترد في «م» .
(٢) ما بين القوسين لم يرد في «ن» .