حينئذٍ النعش إلى جانب القبر ، ثمّ أُنزل عليهالسلام إلى القبر بغير يدي ولا يد أحد غيري ممّن حضر ، فأشار المأمون إلى الناس أن هاتوا بأيديكم من التراب فاطرحوا فيه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل ، فقال : ويحك فبما يُملأ القبر ؟ قلت : إنّه أخبرني أنّ القبر يمتلئ من نفسه ، ويطبق ، ويرتفع على وجه الأرض ، فرمى الناس ما بأيديهم من التراب ، ثمّ امتلأ القبر ، وانطبق ، وتربّع على وجه الأرض ، وانصرف المأمون وانصرفنا .
قال : فدعاني المأمون فأخلى مجلسه ، ثمّ قال : واللّه ، يا هرثمة ، لتصدقني بجميع ما سمعته من أبي الحسن عليهالسلام .
فقلت : لقد أخبرتك يا أمير المؤمنين بما قال لي .
فقال : باللّه ، يا هرثمة ، أسرّ إليك شيئاً غير هذا ؟
فقلت : نعم ، قال : ما هو ؟
قلت : خبر العنب والرمّان ، فأقبل يتلوّن ألواناً بصفرةٍ وحمرةٍ وسوادٍ ، ثمّ مدّ نفسه كالمغشيّ عليه ، وسمعته يقول في غَشيته : ويل للمأمون من اللّه ، ويل للمأمون من رسول اللّه ، ويل للمأمون من عليّ بن أبي طالب ، ويل للمأمون من فاطمة الزهراء ، ويل للمأمون من الحسن والحسين ، ويل للمأمون(١) من عليّ بن موسى (ويل لأبيه هارون من موسى بن جعفر)(٢) ، هذا واللّه ، الخُسران حقّاً ، ويقول هذا القول ويكرّره ، فلمّا رأيت هذا(٣) ولّيت عنه ، فجلست في بعض الدار ، فجلس ودعاني ، فدخلت عليه وهو كالسَّكران ، فقال لي : واللّه ، ما أنت أعزّ علَيَّ منه ، فواللّه ، (لو بلغني أنّك
____________________
(١) في «م» زيادة : «من علي بن الحسين ، ويل للمأمون من محمّد ، ويل للمأمون من جعفر بن محمّد ، ويل للمأمون من موسى ، ويل للمأمون» .
(٢) ما بين القوسين لم يرد في «م» .
(٣) في «م» : «ذلك منه» بدل «هذا» .