بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عظمته وظهور برهانه مع صغر سنّه ، فعزم بعد ذلك على تزويجه بابنته أُمّ الفضل وصمّم على ذلك ، فمنعه العبّاسيّون من ذلك خوفاً من أن يعهد إليه كما عهد إلى أبيه ، فلمّا ذكر لهم أنّه إنّما اختاره لتميّزه على كافّة أهل الفضل علماً ومعرفةً وحلماً مع صغر سنّه ، تنازعوا في اتّصاف محمّد بذلك .
ثمّ تواعدوا على أن يرسلوا إليه من يختبره ، فأرسلوا إلى يحيى بن أكثم ، ووعدوه بشيء كثير إن قطع لهم محمّداً ، فحضروا للخليفة ومعهم ابن أكثم وخواصّ الدولة ، فأمر المأمون بفرش حسن لمحمّد عليهالسلام ، فجلس عليه ، فسأله يحيى مسائل أجابه عنها بأحسن جواب وأوضحه ، فقال له الخليفة : أحسنت يا أبا جعفر ، فإن أردت أن تسأل يحيى ولو مسألة واحدة .
فقال له : «ما تقول في رجل نظر إلى امرأة أوّل النهار حراماً ، ثمّ حلّت له عند ارتفاعه ، ثمّ حرمت عليه عند الظهر ، ثمّ حلّت له عند العصر ، ثمّ حرمت عليه عند المغرب ، ثمّ حلّت له عند العشاء ، ثمّ حرمت عليه نصف الليل ، ثمّ حلّت له بعد الفجر ؟» فقال يحيى : لا أدري .
فقال محمّد : «هي أمة نظرها أجنبيّ بشهوة وهو حرام ، ثمّ اشتراها ارتفاع النهار ، وأعتقها الظهر ، وتزوّجها العصر ، وظاهر منها المغرب ، وكفّر العشاء ، وطلّقها رجعيّاً نصف الليل ، وراجعها الفجر» ، فعند ذلك قال المأمون للعباسيّين : قد عرفتم ما تنكرون ، ثمّ زوّجه بنته(١) ، انتهى كلام ابن حجر .
وقد نقل مثلَه محمّدُ بن طلحة الشافعيّ في كتاب مطالب السؤول ،
____________________
(١) الصواعق المحرقة : ٣١١ ـ ٣١٢ .