يلاحظ عليه : أنّ الحسن البصري ولد بالمدينة عام (٢١) ، ثمّ سكن البصرة وتوفّي عام (١١٠) ، فمن البعيد أن يكون له مجلس بحث في المسجد وهو من أبناء العشرين أو دونه ، فلو صحّ ما حدّده المعلّق من زمن الاعتزال يلزم أن يكون له مجلس بحث في المسجد بين أعوام ٣٥ ـ ٤٤، ويكون عامر بن عبدالله الشخصيّة المعروفة أحد حضّار بحثه ، وقد قدّر الزركلي في كتابه « الأعلام » وفاة عامر نحو سنة (٥٥) (١).
ثمّ إنّ عتب أبي موسى لا يصحّ أن يكون في خلال تسع سنوات بين أعوام ٣٥ ـ ٤٤ لأنّه عزل عن الولاية عام ٣٦ وغادر الكوفة ولم يرجع إليها ، ولمّا أصدر حكمه الجائر في دومة الجندل ضدّ عليّ عليهالسلام خاف من انتفاضة الناس وثورتهم عليه ، وغادرها إلى مكّة المكرّمة ومات بها عام ٤٣ أو ٤٤. ولو صحّ عتابه لكان قبل سنة ٣٦، وهذا يستلزم أن تكون للحسن حلقة بحث في أوان البلوغ ، وهو بعيد ، مع وجود وجوه الصّحابة وأكابر التّابعين في الكوفة.
ثمّ لو صحّت الرواية لما صحّ أن يكون عامر بن عبدالله ، المؤسّس الأوّل لمذهب الاعتزال وإن استعمل في حقّه كلمة الاعتزال ، لأنّ كلمة الاعتزال في تلك العصور كانت رمزاً للتخلّف عن الفكرة السائدة على المجتمع ، فمن خالف الفكرة وانحاز عنها ، أطلق على فعله الاعتزال وعلى نفسه المعتزل ، ازدراءً به ، وتلك الكلمة بمنزلة الرجعية في أعصارنا هذه ، وما جاء في تلك الروايات إشارة إلى أنّ هؤلاء اعتزلوا عن السياسة السائدة على المجتمع كما في اعتزال سعدبن أبي وقّاص ونظائره. أو اعتزال جماعة عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام أو عن الفكرة الدينيّة كما في الرواية الثالثة. والحقّ في التسمية ما نذكره في القول الرابع وقد تواتر نقله.
٤ ـ اعتزال واصل عن مجلس الحسن البصري
قد عرفت أنّ حكم مرتكب الكبيرة قد أوجد ضجّة كبيرة في الأوساط الإسلاميّة
__________________
١ ـ الأعلام : ج ٤، ص ٢١.