في عصر عليّ عليهالسلام وبعده ، حيث عدّ الخوارج مرتكب الكبيرة كافراً ، كما عدّه غيرهم مؤمناً فاسقاً ، وعدّت المرجئة من شهد بالتوحيد والرسالة لساناً أو جناناً مؤمناً. وقد أخذت المسألة لنفسها مجالاً خاصّاً للبحث عدّة قرون. وكان للمسألة في زمن الحسن البصري دويّ خاصّ.
نقل الشهرستاني أنّه دخل واحد على الحسن البصري فقال : يا إمام الدين! لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر ، والكبيرة عندهم لا تضرّ مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان ، ولا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الاُمّة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟
فتفكّر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب ، قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً ولا كافر مطلقاً ، بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر. ثمّ قام واعتزل إلى اسطوانة المسجد يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن ، فقال الحسن : اعتزل عنّا واصل ، فسمّي هو وأصحابه : معتزلة (١).
و ربّما نسبت هذه الواقعة بشكل آخر إلى « عمرو بن عبيد ». قال ابن خلّكان في ترجمة قتادة السدوسي : « كان قتادة من أنسب الناس كان قد أدرك ذعفلاً وكان يدور البصرة أعلاها وأسفلها بغير قائد فدخل مسجد البصرة ، فإذا بعمرو بن عبيد ونفر معه قد اعتزلوا من حلقة الحسن البصري وحلّقوا وارتفعت أصواتهم ، فأمّهم وهو يظن أنّها حلقة الحسن ، فلمّا صار معهم عرف أنّها ليست هي. فقال : إنّما هؤلاء المعتزلة ، ثمّ قام عنهم فمذ يومئذ سمّوا المعتزلة » (٢).
وتظهر تلك النّظرية من الشيخ المفيد في « أوائل المقالات » حيث قال : « وأمّا المعتزلة وما وسمت به من اسم الاعتزال ، فهو لقب حدث لها عند القول بالمنزلة بين المنزلتين ، وما أحدثه واصل بن العطاء من المذهب في ذلك ونصب من الاحتجاج له ،
__________________
١ ـ الفرق بين الفرق : ص ٢١، وفي ذيل عبارته ما يدل على أنّ تسميتهم بها لأمر آخر سيوافيك بيانه.
٢ ـ وفيات الأعيان ج ٤ ص ٨٥ رقم الترجمة ٥٤١.