يا أبا الهذيل إنّما أجزع عليه لأنّه لم يقرأ كتاب « الشكوك ». فقال : ما هذا الكتاب يا صالح؟
قال : هو كتاب قد وضعته ، من قرأه يشك ّ فيما كان حتّى يتوهّم أنّه لم يكن ، ويشكّ فيما لم يكن حتّى يتوهّم أنّه قد كان. فقال له أبو الهذيل : فشكّ أنت في موت ابنك ، واعمل على أنّه لم يمت وإن كان قد مات. وشكّ أيضاً في قراءته كتاب « الشكوك » وإن كان لم يقرأه » (١).
٢ ـ بلغ أبا الهذيل في حداثة سنّه أنّ رجلاً يهوديّاً قدم البصرة وقطع جماعة من متكلّميها ، فقال لعمّه : « يا عمّ امض بي إلى هذا اليهودي حتّى اُكلّمه. فقال له عمّه : يا بنيّ كيف تكلّمه وقد عرفت خبره ، وأنّه قطع مشايخ المتكلّمين! فقال : لا بدّ من أن تمضي بي إليه. فمضى به.قال : فوجدته يقرّر الناس على نبوّة موسى عليهالسلام ، فإذا اعترفوا له بها قال : نحن على ما اتّفقنا عليه إلى أن نجمع على ما تدّعونه ، فتقدّمت إليه ، فقلت : أسألك أم تسألني؟ فقال : بل أسألك ، فقلت : ذاك إليك ، فقال لي : أتعترف بأنّ موسى نبيّ صادق أم تنكر ذلك فتخالف صاحبك؟ فقلت له : إن كان موسى الّذي تسألني عنه هو الّذي بشّر بنبيّي عليهالسلام وشهد بنبوّته وصدّقه فهو نبيّ صادق ، وإن كان غير من وصفت ، فذلك شيطان لا أعترف بنبوّته; فورد عليه ما لم يكن في حسابه ، ثمّ قال لي : أتقول إنّ التوراة حقّ؟ فقلت : هذه المسألة تجري مجرى الاُولى ، إن كانت هذه التوراة الّتي تسألني عنها هي الّتي تتضمّن البشارة بنبيّي عليهالسلام فتلك حق ، وإن لم تكن كذلك فليست بحق ، ولا أقرّ بها.
فبهت واُفحم ولم يدر ما يقول. ثمّ قال لي : أحتاج أن أقول لك شيئاً بيني وبينك ، فظننت أنّه يقول شيئاً من الخير ، فتقدّمت إليه فسارّني فقال لي : اُمّك كذا وكذا واُمّ من علّمك ، لا يكنّي ، وقدّر أنّي أثب به ، فيقول : وثبوا بي وشغبوا علي ، فأقبلت على من كان في المجلس فقلت : أعزّكم الله ، ألستم قد وقفتم على سؤاله إيّاي وعلى جوابي
__________________
١ ـ الفهرست لابن النديم : الفن الأوّل من المقالة الخامسة ص ٢٠٤ ـ وفيات الأعيان : ج ٤، ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦.